«ستاندرد آند بورز» .. سقطة جديدة

ربما ليست مؤامرة، ولكنها بالتأكيد جهل تام بالاقتصاد السعودي، من وكالة تصنيف دولية يفترض أنها عريقة، وحريصة على سمعتها، وهي "ستاندرد آند بورز"، خصوصا أن هذه الوكالة لم تتعلم من خطأ خفض تصنيفها لاقتصاد المملكة قبل شهرين تقريبا، الذي ثبت أنه خاطئ بما يكفي كي تعتذر. ليس مهما هنا ما تقوله هذه الوكالة وغيرها، إذا ما كانت الأمور مغايرة لما تقوله أو تعلنه. فالحقائق واضحة، ولا يحتاج الأمر سوى الشفافية المطلقة ولا غيرها. لا يمكن حتى للمملكة أن تخفي عجزها إن وجد، كما أنها ليست من تلك الدول التي تعيش على السمعة الاقتصادية الوهمية، التي سرعان ما تظهر حقيقتها على الساحة. ومن هذه البلدان يوجد كثير على الساحة العالمية، ولكن أيضا هناك البلدان الصادقة مع نفسها أولا، وبالتالي ليس مهما رأي الجهات التي لا تعتمد الحقيقة أساسا لآرائها وتقييمها وتصنيفها.
بعد شهرين من تصنيفها الخاطئ لاقتصاد السعودية، أطلقت "ستاندرد آند بورز" تقييما جديدا يخفض التصنيف الائتماني للمملكة بمعدل نقطتين. بعد التصنيف الأول مباشرة، أعلنت وكالات التصنيف العالمية الأخرى تقييماتها للاقتصاد السعودي بصورة مخالفة لتصنيف "بورز"، بل جاءت الأرقام لتزيد من حجم السخرية من تصنيفات "بورز" الخاصة بالمملكة. وتاريخ "ستاندرد آند بورز" ليس ناصعا في مجال التصنيف، تكفي السقطات المروعة لها في تقييم المؤسسات المالية وغيرها قبل انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008. هذه الوكالة أعطت مصرف "ليمان براذرز" الأمريكي تصنيفا عاليا للغاية قبل أيام من إعلانه الإفلاس، ووضعه تحت الحماية الحكومية في الولايات المتحدة. هذا الإفلاس ــ الانهيار "كما يعرف الجميع"، أدى إلى بدء انهيار الاقتصاد العالمي.
هذا ليس تقليلا من مستوى "ستاندرد آند بورز"، بقدر ما هو إبراز لحقائق ليست بعيدة زمنيا عن يومنا هذا. في الواقع وضعت الأزمة الاقتصادية العالمية سمعة كل وكالات التصنيف على المحك، إلى درجة أن انطلقت الصيحات في الأجواء العالمية بضرورة تصنيف وكالات التصنيف نفسها. بعض هذه الوكالات أخضعت نفسها للإصلاحات كما فعلت المؤسسات المالية، لكن يبدو أن "ستاندرد آند بورز" لا تزال تعمل بأدوات ما قبل الأزمة لا بالمعايير الجديدة التي سادت بعدها. ومن هنا يمكن النظر إلى تقييمها الأخير لاقتصاد السعودية، بأنه خطأ فادح آخر في فترة لا تتجاوز الشهرين فقط! لماذا؟ لأن اقتصاد المملكة، يتمتع باحتياطي نقدي كبير، مع وجود خيارات متعددة لمواجهة العجز المالي الذي ظهر في الواقع نتيجة السياسة السعودية نفسها في إصلاح استراتيجي للسوق النفطية العالمية، وليس إصلاحا آنيا.
يضاف إلى ذلك، أن المملكة تتمتع بمحدودية الدين العام مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، والأصول الاحتياطية التي تتجاوز 2.5 تريليون ريال. وفي الواقع بدأت السعودية مخططات إصلاح استراتيجية حتى قبل انهيار أسعار النفط، وأطلقت عملية تنمية واسعة في كل المجالات منذ سنوات. أي أن التصنيف الأخير لـ "ستاندرد آند بورز" يخالف الحقيقة تماما، بل يخالف حتى رؤى وتصنيفات قريناتها من الوكالات والمؤسسات المماثلة، فضلا عن مخالفته لتقييم المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ومجموعة العشرين.
لا شك أن سلوكيات أخرى مماثلة تمارسها "ستاندرد آند بورز" في المستقبل، ستقضي على ما تبقى من سمعتها التي بدأت باستعادتها في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية. هذه الوكالة (وغيرها) تستطيع النفاذ إلى حقائق الاقتصاد السعودي المنفتح في أي وقت تشاء، لكن لا يمكنها أن تحظى باحترام إذا ما حاولت لي عنق الحقيقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي