الاهتمام بالمتنزهات الوطنية
تحظى المتنزهات الوطنية بأهمية كبيرة كونها تمثل موردا سياحيا لا ينضب، ومجالا للترفيه، علاوة على إمكانية إسهامها ــ بفاعلية ــ في الحفاظ على البيئات الطبيعية؛ لتكون ملجأ آمنا لمكونات الحياة الفطرية من طيور، وقوارض، وحيوانات مهددة بالانقراض. وفكرة المتنزهات الوطنية National Parks ليست فكرة جديدة، بل شائعة في معظم الدول. ففي الولايات المتحدة ــ على سبيل المثال ــ هناك 59 متنزها وطنيا، كثير منها يحظى بأهمية كبيرة، وسمعة عالمية مثل: متنزه يلوستون Yellowstone الذي يمتد على مساحة تقدر بنحو تسعة آلاف كيلومتر مربع، وهو أول متنزه أنشئ في عام 1872، ويتميز بانتشار العيون الحارة، والشلالات المتدفقة، والحيوانات النادرة مثل جاموس البافلو Buffalo، والذئاب، والثعالب، والغزلان، والقوارض والزواحف وغيرها. كما أنه يجتذب مئات الآلاف من الزوار سنويا. ولكن هذا المتنزه الذائع الصيت ليس هو المتنزه الأكبر، فمتنزه رينجل سينت إلياس Wrangel-St Ellais في ولاية ألاسكا يعد أكبر المتنزهات الوطنية في الولايات المتحدة بمساحة تصل إلى 33 ألف كيلومتر مربع، ويحتوي هذا المتنزه على مجموعة من الجبال الشاهقة وفوهات البراكين الجاذبة، كما يحتفظ بأعداد كبيرة من الحيوانات، والكائنات الحية المحلية. وهناك عديد من المتنزهات الرائعة والمعروفة على المستوى العالمي، مثل المتنزه الأولمبيOlympic Park، والغابة الحمراء Redwood، ويوسامتي Yosemite. فالأمر لا يقتصر على الولايات المتحدة، بل توجد متنزهات وطنية تحكمها أنظمة صارمة. فيصل عدد المتنزهات الوطنية في الهند إلى 105 متنزهات تغطي أكثر من 40 ألف كيلا مربعا، وكذلك يوجد في الصين 225 متنزها، تتفاوت في مساحاتها، وطبيعتها، واستخداماتها. في الأسبوع الماضي كنت في أحد الشعاب التابعة للدلم، يسمى "وثيلان"، ويتسم هذا المكان بجمال طبيعته وارتفاع جباله، وطول مجراه، وتعدد فروعه، وغرابة ينابيعه، وكثرة أشجاره، وخضرة أرضه، مما يثير البهجة في نفوس زائريه الذين توافدوا من جميع أرجاء المنطقة الوسطى، وخاصة من مدينة الرياض ومحافظتي الخرج وحوطة بني تميم.
والمملكة تبذل جهودا مشكورة للمحافظة على الحياة الفطرية والبيئة الطبيعية من خلال قيامها بإنشاء 15 محمية طبيعية في مختلف أرجاء المملكة، وذلك من أجل الحد من تدهور البيئة وإيقاف التصحر الذي تفاقم خلال النصف الثاني من القرن الميلادي المنصرم، وكذلك لحماية ما تبقى من الكائنات البرية المهددة بالانقراض. فقد أدى تدني الوعي البيئي لدى بعض الشباب إلى الإفراط في الاحتطاب، والقنص، وإتلاف الأشجار، والأحجار والكائنات. فعلى الرغم من توافر الغذاء واللحوم الطازجة في الأسواق، فقد أصاب بعض الشباب شهوانية وحشية "مفرطة" لأكل لحوم الضباع والضبان والأرانب، بل لم تسلم منهم حتى القنافذ المسكينة والسحالي الرملية، فقد أصاب بعضهم الوهم والتوهم بأن في لحومها وأوزارها ومخلفاتها علاج للأمراض المستعصية! وعلى الرغم من الجهود الرائعة التي تبذلها الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، فإن هناك حاجة لتعزيز جهودها، ومساندتها للحد من العبث والإرهاب البيئي الذي تشهده البيئة الصحراوية الهشة. ومن هذا المنطلق، أقدم بعض المقترحات التي يمكن أن تسهم في تفعيل المتنزهات، أو المحميات الطبيعية الوطنية، وزيادة مردودها الاقتصادي، وتعظيم فائدتها المباشرة على الناس؛ لكسب تقديرهم وزيادة اهتمامهم، ومن أبرز المقترحات ما يلي:
أولا: تحديد دور الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية والتزاماتها وواجباتها، وتوضيح أساليب الاستفادة من المحميات الطبيعية، أو المتنزهات الوطنية من قبل الناس دون الإضرار بالبيئة الطبيعية والكائنات الموجودة فيها. ثانيا: منح الجوالين التابعين للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية صلاحيات أكبر لتوثيق المخالفات وإقرار العقوبات الرادعة دون مراعاة لأحد. ثالثا: تشجيع زيارة المحميات أو المتنزهات الوطنية والتعريف بها من خلال تعليمات واضحة ومدروسة وجدول زيارات معلن للجميع. رابعا: فرض رسوم رمزية، ولتكن مثلا: "عشرة ريالات" على كل سيارة تدخل المتنزهات الطبيعية، وتقوم باستخدام الريع المتوافر؛ لتحسين المحميات، وتنمية غطائها النباتي ومخزونها من الكائنات الصحراوية. خامسا: وضع أنظمة صارمة، وغرامة كبيرة لمن يتجرأ على قطع شجرة أو إلقاء مخلفات أيا كان نوعها، وتعميق مفهوم: "لا تأخذ شيئا سوى الصور، ولا تترك شيئا سوى آثار أقدام". سادسا: إجراء مزيد من الدراسات على الحيوانات والنباتات من أجل فهم خصائصها ومن ثم تنمية أعدادها. سابعا: إنشاء متاحف بجوار كل محمية؛ لإبراز طبيعة الحياة الطبيعية والكائنات الموجودة في المحمية. ثامنا: بناء شراكات مع القطاع الخاص؛ لتمويل الأنشطة البيئية وإعادة تشجير بعض الأودية. تاسعا: تنظيم زيارات لطلاب المراحل التعليمية المختلفة؛ من أجل رفع مستوى الوعي وتنمية الشعور بأهمية المحافظة على البيئة الطبيعية بالمحتويات النباتية والحيوانية. عاشرا: تشجيع الأعمال التطوعية التي تهدف إلى تنمية البيئات الصحراوية.