أهمية بناء مسار وظيفي متنوع
يتصور كثيرون المسارات الوظيفية على اعتبار أنها مسارات تصاعدية، ولكن أصبح التحرك في مسارات أفقية أكثر شعبية وعقلانية
عندما سئل تيام المدير التنفيذي السابق لشركة "بريدينشال" (خريج إنسياد) بعد أن أصبح رئيسا تنفيذيا لبنك كريديت سويس، عما إذا كان جاهزاً للعمل في مجال الاستثمار المصرفي الذي لم يسبق له العمل فيه، أجاب: "درست الفيزياء والرياضيات . لا يوجد شيء غير مفهوم بالنسبة لي في مجال الاستثمار المصرفي".
يجسد تيام بشكل كبير المهنيين الذين يغيرون مساراتهم الوظيفية باستمرار. أصبحت فكرة ممارسة عمل واحد ذي مهارات معينة تتلاشى بسرعة في عصر العولمة والتوجه نحو بناء اقتصاد مشترك. يميل الأشخاص حتى وقت قريب إلى البقاء في وظيفة أو قطاع معين لسنوات عديدة، إن لم يكن طوال حياتهم المهنية، كما يقدر أرباب العمل، الموظفين من أصحاب الخبرة في قطاع معين، أكثر بكثير من أولئك الذين يملكون خبرة في مجالات واسعة وقطاعات مختلفة، حتى وإن كانوا مؤهلين أكثر للقيام بالعمل. ولكن أصبح تغيير العمل والقطاع أكثر شيوعا، وكذلك تغيير المسار الوظيفي مع التقدم في الحياة المهنية، وبناء "مسار وظيفي متنوع". يعتبر بعض الناس محظوظين لمعرفتهم بشغفهم في الحياة وما يريدون القيام به في سن مبكرة، والسعي وراء تحقيقه. ولكن قد يضطرون إلى النظر في الخيارات الأخرى في حال انتهاء أو فشل حياتهم المهنية أوعدم قدرتهم على تحقيق طموحاتهم. فبناء مجموعة أساسية من المهارات واكتساب خبرات في قطاع معين بحيث لا يصبح الشخص ملما بمجالات كثيرة وغير متميز في مجال معين، يعتبر نهجا جيدا، خاصة مع التقدم في الحياة المهنية. ومع ذلك، وجدت أن المعرفة التي اكتسبتها من عمل أو قطاع معين، أصبحت في كثير من الأحيان قابلة للتطبيق في عمل جديد في قطاع ليس على صلة بخبرتي السابقة. بحسب ستيف جوبز، فإن المعرفة التي اكتسبها من دروسه في الكلية كانت العامل الأكثر إلهاماً عند تصميمه لـ "أبل أي بروداكت". تبقى المهارات الأساسية التي تحدد في النهاية نجاح المرء في عمله هي الأهم، مثل مهارات الإدارة، والنضوج، وكيفية التعامل مع الأمور المبهمة والاضطرابات التي يمكن اكتسابها مع الوقت والخبرة من خلال العمل في وظائف وقطاعات متعددة.
عمل معظم الأشخاص عبر التاريخ في وظائف متعددة من أجل تغطية نفقاتهم. ففي ظل الشيوعية، اضطر كثيرون لمزاولة عمل جانبي بشكل سري لكسب المال والحصول على المواد أو البضائع الممنوعة. فقط في عصر التقدم الصناعي ونهضة الشركات، كان من المألوف الاستمرار في وظيفة معينة في مجال الصناعة والشركات الكبرى.
يحتاج العاملون إلى التكيف في ظل وسائل الإنترنت والاقتصاد المشترك، الأمر الذي ساعد على تخفيض نفقات الحصول على معلومات، ونماذج الأعمال. لذا أصبح من الضروري الانتقال إلى مسار وظيفي متنوع. فمهارات الأفراد قد تصبح غير ذات صلة أو عفى عليها الزمن سريعا، كما أصبحت الشركات أقل ولاء لموظفيها أكثر من أي وقت مضى. فحتى في ظل وجود سياسات في الشركة لاستبقاء الأشخاص الموهوبين، يبقى بيدها أن تقوم بفصله عند إعادة الهيكلة، وبشكل خاص إذا ما كان يتقدم صعودا في السلم الوظيفي، وعندما يكون من الصعب تسليمه منصبا مماثلاً في أوقات الأزمات.