Author

ضرورة إحياء سوق الصكوك والسندات

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
تعاني سوق الصكوك والسندات في المملكة جفاء المتداولين، بل إنها فعليا تعتبر سوقا ميتة، تمر عليها عدة أسابيع دون أية تداولات، الأمر الذي يخالف بشكل كبير واقع أسواق السندات حول العالم. تم إطلاق هذه السوق المهمشة منذ أكثر من ست سنوات، وهي تعمل جنبا إلى جنب مع سوق الأسهم السعودية، ويتم الشراء والبيع بطريقة الأسهم ذاتها، ومن خلال الوسيط ذاته، ومتاح التداول فيها من الساعة 11:30 صباحا إلى 3 عصرا. ذكر وزير المالية السعودي أن الحكومة لديها توجه لإصدار سندات حكومية محلية ودولية في الفترات القادمة، مشيرا إلى أن سبب التوجه إلى الخارج يأتي بهدف تجنب امتصاص السيولة المصرفية ومزاحمة القطاع الخاص والأفراد في الحصول على السيولة اللازمة. كيف للحكومة أن تحقق أهدافها في الحصول على التمويل اللازم وأهم ساحة مالية متاحة لتحقيق ذلك خاوية على عروشها؟ بحسب التقرير السنوي لشركة "تداول" تم في عام 2015 تنفيذ فقط سبع صفقات بيع وشراء في سوق الصكوك والسندات السعودية، وهذا لا شك يطرح عدة تساؤلات حول هذا الإخفاق الكبير، هل هو أمر متعلق بطبيعة هذه الوسائل الاستثمارية، أم متعلق بطبيعة المستثمرين في المملكة، أم أنه يعود إلى طبيعة الأنظمة وهيكلية السوق؟ الحقيقة أن أسواق السندات في العالم كبيرة جدا، على سبيل المثال تتجاوز قيمة السندات المصدرة في الولايات المتحدة القيمة الاسمية لجميع الأسهم الأمريكية بالضعف، لذا فإن رؤوس الأموال تتجه للسندات بغزارة، ولا يوجد هناك خلل في هذه الوسيلة الاستثمارية بحد ذاتها. هل فشل سوق السندات لدينا إذا له علاقة بالمستثمرين أنفسهم؟ الحقيقة أن لهذا الجانب دورا في ضعف الإقبال على السندات نتيجة لقلة الوعي بفوائد السندات وعدم تعود المستثمرين على هذا النوع من الاستثمار، إضافة إلى وجود تحفظات شرعية من قبل بعض الناس على التعامل بالسندات، على الرغم من وجود صكوك إسلامية متداولة في السوق. لذا فلا بد للجهة القائمة على إدارة سوق الصكوك والسندات القيام بما يلزم لتوعية الناس بوجود هذه الوسائل وإيضاح طبيعة الجوانب الشرعية المتعلقة بها. إضافة إلى هذا السبب في فشل سوق الصكوك والسندات، هناك سبب آخر يتعلق بارتفاع مقدار العمولة المقرة من هيئة السوق المالية لتداول السندات، حيث تشترط الهيئة أن لا تقل العمولة عن 500 ريال، بغض النظر عن حجم العملية. هذا السبب يتعلق بطبيعة الأنظمة وهيكلية السوق، والحل بالطبع يتمثل في إزالة هذا الحد الأدنى بالكامل، كونه ربما السبب الأبرز في تعثر السوق، وليس له فائدة حتى للوسطاء أنفسهم، ولا سيما أنه كما ذكرنا لم يتم تنفيذ سوى سبع صفقات طيلة 2015. نقطة مهمة تجدر الإشارة إليها هي أن كثيرا من الناس يعتقد أن السندات وسيلة استثمارية "مملة"، فتسمع البعض يقول إن من يستثمر فيها هم كبار السن فقط وإن طريقة عملها أن يشتريها الشخص ويحصل على فوائدها السنوية ويحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق – بعد عدة سنوات غالبا – ليسترجع رأسماله. والحقيقة أن السندات مثل الأسهم، هناك من يستثمر فيها وهناك من يضارب بها، ومثل الأسهم يمكن للمضارب تحقيق عوائد عالية جدا خلال فترة قصيرة، ويمكنه كذلك تحقيق خسارة كبيرة خلال فترة قصيرة، تماما كالأسهم. تصدر السندات كالأسهم في السوق الأولية ومن ثم يمكن تداولها في السوق الثانوية في أي وقت من الأوقات. فالسندات مجرد وسيلة من وسائل الاستثمار تستخدم كأداة مكملة لمحفظة المستثمر المالية، حيث يقوم المحترفون غالبا بتخصيص نسبة معينة من محافظهم المالية للسندات، ونسبة معينة للأسهم، والباقي يحتفظون به بشكل نقدي. والسبب يعود إلى تفاوت نسبة العائد بين الوسيلتين، الذي يكون غالبا - وليس دائما - في الاتجاه المعاكس. لذا يفضل أن يتم تقسيم المحفظة الاستثمارية بين السندات والأسهم والنقدية. يمكن كذلك المضاربة بالسندات وتحقيق مكاسب رأسمالية من تداولها، أي ليس فقط الاعتماد على العائد الدوري لها، بل الاستفادة من تغير أسعار السندات نتيجة ما يستجد من أخبار عن الشركة أو الحكومة - في حال السندات الحكومية - التي من شأنها أن تحدث ارتفاعات أو انخفاضات كبيرة في سعر السند. تحدث الارتفاعات الكبيرة في سعر السند عندما تنخفض أسعار الفائدة، للسندات المسعرة بفائدة ثابتة، وذلك لتوجه المتداولين إلى السند الذي يمنح سعر فائدة أعلى من السندات التي ستصدر بالسعر الجديد. أما في السندات المسعرة بمعدل فائدة متغير، مثل أكثر السندات السعودية، فإن الأرباح الرأسمالية تتقلص بشكل كبير لمحدودية تذبذب سعر الصكوك بسبب تغير سعر فائدة الصك تماشيا مع سعر الفائدة الرسمي. لذا فإن السندات ذات معدل الفائدة المتغير لا تتأثر أسعارها كثيرا نتيجة تغير أسعار الفائدة، ولكن تتأثر أسعارها حسب ما يستجد من أخبار وتطورات تجارية واقتصادية. في السندات الدولية يمكن المضاربة بالسندات بشكل أكبر نتيجة توافر آلية البيع المسبق، أي البيع أولا والشراء لاحقا، فيمكن تحقيق أرباح من السندات سواء ارتفعت أسعار الفائدة أم انخفضت. على سبيل المثال، قد ينخفض سعر السند نتيجة تغيرات مهمة في هيكل الشركة المالي إلى درجة أنه يمكن شراء سندات بنصف قيمتها الاسمية على الرغم من أن تاريخ الاستحقاق قريب جدا. هناك شركات كبيرة ومعروفة تنخفض أسعار سنداتها بشكل كبير، نتيجة تخوف المستثمرين من تعثر الشركة، فيكون من الممكن شراء السند بسعر 500 دولار، على سبيل المثال، ومن ثم خلال فترة قصيرة، تصل إلى بضعة أيام في بعض الحالات، يتسلم الشخص القيمة الاسمية كاملة، أي ألف دولار، فيحقق أرباحا تصل إلى 100 في المائة خلال فترة وجيزة. ختاما، سوق الصكوك والسندات لدينا متعثرة، وأسباب التعثر تعود إلى ضعف الوعي من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى ارتفاع تكلفة العمولة التي أقرتها هيئة السوق المالية بجعلها لا تقل عن 500 ريال، حيث يتسبب ذلك في ابتعاد المضاربين عن هذه السوق، ولا يمكن أن تقوم قائمة لسوق لا يوجد فيها مضاربون.
إنشرها