من فنون الرشوة

من فنون الرشوة

يورد القاضي التنوخي في كتابه "نشوار المحاضرة" تحت عنوان "الوزير القاسم بن عبيد الله يأمر أستاذه بالارتفاق"، والارتفاق نوع من الانتفاع، فيقول: "حدثني أبو الحسين بن عياش، قال: حدثني أبو إسحق إبراهيم بن السري الزجاج، قال: كنت أؤدب القاسم بن عبيد الله، وأقول له: إن بلغك الله مبلغ أبيك، ووليت الوزارة، ماذا تصنع بي? فيقول: ما أحببت. فأقول له: تعطيني عشرين ألف دينار، وكانت غاية أمنيتي، فيقول: نعم. فما مضت إلا سنون، حتى ولي القاسم الوزارة، وأنا على ملازمتي له، وقد صرت نديمه، فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد، ثم هبته. فلما كان في اليوم الثالث من وزارته، قال لي: يا أبا إسحق، لم أرك أذكرتني بالنذر؟. فقلت: عولت على رعاية الوزير أيده الله، وأنه لا يحتاج إلى إذكار لنذر عليه، في أمر خادم واجب الحق. فقال لي: إنه المعتضد، ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد، ولكن أخاف أن يصير لي معه حديث، فاسمح لي بأخذه متفرقا. فقلت: يا سيدي، أفعل. فقال: اجلس للناس، وخذ رقاعهم، للحوائج الكبار، واستجعل عليها، ولا تمتنع عن مسألتي شيئا تخاطب فيه، صحيحا كان أو محالا، إلى أن يحصل لك مال النذر. قال: ففعلت ذلك، وكنت أعرض عليه كل يوم رقاعا فيوقع فيها لي، وربما قال: كم ضمن لك على هذا? فأقول: كذا وكذا، فيقول: غبنت، هذا يساوي كذا وكذا، ارجع فاستزد، فأرجع القوم، ولا أزال أماكنهم، ويزيدونني حتى أبلغ الحد الذي رسمه لي. قال: وعرضت عليه شيئا عظيما، فحصلت عندي عشرون ألف دينار وأكثر منها، في مديدة. فقال لي بعد شهور: يا أبا إسحق، حصَّل مال النذر؟. فقلت: لا، فسكت. وظللت أعرض، فيسألني في كل شهر أو نحوه، هل حصل المال? فأقول: لا، خوفا من انقطاع الكسب، إلى أن حصل عندي ضعف ذلك المال. وسألني يوما، فاستحييت من الكذب المتصل، فقلت: قد حصل ذلك ببركة الوزير. فقال: فرجت والله عني، فقد كنت مشغول القلب، إلى أن يحصل لك. قال: ثم أخذ الدواة، فوقع لي إلى خازنه بثلاثة آلاف دينار صلة فأخذتها وامتنعت أن أعرض عليه شيئا، ولم أدر كيف يقع منه.

الأكثر قراءة