Author

بعض آثار الأضحية الاقتصادية

|
الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، سنها الله - سبحانه وتعالى - للمسلمين وغيرهم من الأمم السابقة. ويسعى المضحي من القيام بهذه الشعيرة إلى التقرب لمولاه - عز وجل -، ونيل رضاه، وأجره وثوابه. ولا يمنع هذا الهدف السامي والنبيل من ترتب آثار اقتصادية للأضاحي تمس الأفراد والمجتمعات. ومن أبرز هذه الآثار زيادة الطلب على المواشي خلال عيد الأضحى في بلاد المسلمين بوجه عام، والمملكة بوجه خاص. ولا يعرف بالضبط أو على وجه تقديري جيد عدد الأضاحي السنوي على مستوى العالم الإسلامي أو المملكة. وتضحي الكثير من الأسر بأكثر من أضحية، كما تحجم بعض الأسر عن تقديم الأضاحي لأسباب متعددة أبرزها ضيق ذات اليد. ولكن وعلى افتراض أن معظم الأسر في المملكة ستضحي بأضحية واحدة على الأقل، فإن إجمالي حجم الطلب السنوي على الأضاحي للأسر (والأفراد) سيتجاوز أربعة ملايين رأس. وستضحي (تقدم الهدي) نسبة كبيرة من الحجاج مما قد يرفع الطلب الإجمالي السنوي على الأضاحي في المملكة إلى أكثر من خمسة ملايين رأس. واستوردت المملكة نحو تسعة ملايين رأس من الأغنام والماعز في عام 2014، كما تنتج كميات كبيرة من هذه المواشي وغيرها. ولا يعرف توزيع الأضاحي من حيث المصدر ونوع المواشي، ولكن من المرجح أن تشكل المواشي المحلية خصوصا الأغنام نسبة كبيرة من الأضاحي. وترتفع تكاليف المواشي المحلية مقارنة بالمستوردة، ولهذا فإن متوسط سعر الأضحية سيكون أعلى بكثير من متوسط سعر المستوردة. وتصل تكاليف الأغنام المستوردة إلى نحو 400 ريال للرأس بأسعار الجملة. ويرتفع سعر التجزئة بالطبع عن سعر الاستيراد، وقد يصل إلى ضعف سعر متوسط الاستيراد أو أكثر للأغنام القادمة من الخارج، أما بالنسبة للأغنام المحلية فإن أسعارها أعلى من ذلك بكثير. وبناء على هذا، من المتوقع ألا يقل متوسط سعر الأضحية الحالي للمستهلك عن ألف ريال. وإذا سلمنا بالفرضيات السابقة حول عدد الأضاحي وأسعارها، ستتجاوز تكاليف الأضاحي السنوية التي يتحملها مستهلكو المملكة مبلغ خمسة مليارات ريال. وتمثل هذه التكلفة نسبة لا بأس بها من إجمالي إنفاق الأسر الاستهلاكي السنوي في المملكة قد تصل إلى نحو 0.5 في المائة، أو نحو 6 في المائة من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي في شهر ذي الحجة. ويزيد عدد المسلمين في العالم على 50 ضعف عدد سكان المملكة. وستضحي نسبة كبيرة منهم ولكن بنسب تقل عن نسب المملكة ودول الخليج الغنية، الذين تساعدهم إمكاناتهم الاقتصادية على ذبح المزيد من الأضاحي. وحتى مع افتراض تراجع عدد الأضاحي بالنسبة للسكان في باقي العالم الإسلامي إلى خمس النسب الموجودة في الخليج، فإن عدد الأضاحي في العالم الإسلامي قد يتجاوز 50 مليون رأس أو ما يعادلها من المواشي الأخرى. وهذه الكمية الهائلة من المواشي تكلف مبالغ كبيرة قد تصل أو تتجاوز عشرة مليارات دولار. ويولد القيام بهذه الشعيرة فرصا اقتصادية لكثير من الأعمال، التي باستطاعتها تطوير الخدمات المرتبطة بهذه الشعيرة في العالم الإسلامي وتطوير أساليب القيام بها والاستفادة منها بدرجة أكبر. ولا تتوافر بيانات أو معلومات إحصائية ميدانية عن الأضاحي، وسيساعد توفير إحصائيات وبيانات حولها إلى تسليط الضوء على فرص الاستفادة منها في كل بلد من بلدان العالم الإسلامي. ويحدث الطلب الإضافي الناتج عن الرغبة في ذبح الأضاحي في المملكة وباقي الدول زيادة موسمية في أسعار الأضاحي خصوصا الأغنام، وتزداد الأسعار مع اقتراب عيد الأضحى المبارك. وقد تضاعفت أسعار الأضاحي ثلاث إلى أربع مرات خلال العقدين الماضيين في المملكة. مما يعني أن تكاليف المعيشة للأسر ارتفعت بسبب الأضاحي فقط بنسبة قد تصل إلى 2 في المائة خلال هذه الفترة. وتختلف أنماط استهلاك الأضاحي في باقي العالم الإسلامي، وقد ترتفع نسبة وأنواع الحيوانات الأخرى المقدمة كأضاحٍ. ومن المؤكد أن أسعار باقي الحيوانات المضحى بها سترتفع بشكل موسمي خلال أعياد الأضحى. ويلعب الغلاء ومتوسطات الدخل دورين كبيرين في تحديد متوسط عدد الأضاحي للأسرة، حيث يرتفع في الدول الغنية ويتراجع في الدول الأقل دخلا أو المحاصرة أو التي في حالات حروب وأزمات. وترفع تجارة الأضاحي من دخول مربي المواشي والمتاجرين فيها، ويعتمد عدد كبير من الأسر والأفراد محدودي الدخل على إيرادات تربية وتجارة المواشي. ويساعد ذبح الأضاحي على زيادة التكافل الاجتماعي بين المسلمين، حيث يُوزع معظمها على الفقراء والأصدقاء والأقارب. وتزداد أهمية لحوم الأضاحي في الدول الإسلامية الفقيرة، حيث ينتظر كثير من سكانها قدوم عيد الأضحى للحصول على جزء يسير من لحومها. وتعتبر هذه الشعيرة من وسائل توزيع الدخل بين المسلمين، وإدخال السعادة على قلوب الكثير من الفقراء في يوم العيد، الذي ينبغي أن يكون مميزا كما ينبغي أن تقل فيه الفروقات بين شرائح المجتمع السكانية.
إنشرها