Author

رحلة أول وفد سعودي رسمي إلى أوروبا .. ورسائل الملك عبد العزيز إلى جورج الخامس

|
تشير المصادر التاريخية إلى تحاشي البريطانيين في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى (1914 ـــ 1918) الاتصالات المباشرة مع عبد العزيز آل سعود ولم يظهروا رغبة بالتدخل في شؤون وسط الجزيرة العربية وحتى بعد تمكنه من الاستيلاء على الأحساء في عام 1913 وحدوث بعض الاتصالات فإنهم لم يهتموا كثيرا بتحويل اتصالاتهم به إلى التزامات محددة أو اتفاقية رسمية! لأسباب أهمها اتفاقية عام 1913 بين العثمانيين والبريطانيين التي حددت مناطق السيادة والنفوذ لكل منهما في الجزيرة العربية بحيث كانت معظم ألأراضي التي يسيطر عليها عبد العزيز آل سعود تحت سيادة الدولة العثمانية بموجب هذه الاتفاقية السرية لأنها تقع شمال الخط الأخضر الممتد من عدن إلى قطر، الذي رسمت بموجبه الحدود بين الإمبراطوريتين. #2# وبينما وقع عبد العزيز معاهدة مع العثمانيين قبل اندلاع الحرب العالمية بأسابيع قليلة أيار (مايو) 1914 فإن البريطانيين كما يشير بعض الباحثين لم يعرفوا شيئا عنها إلا بعد احتلالهم البصرة في آخر العام واطلاعهم على الأرشيفات العثمانية هناك! لقد أدى اشتعال الحرب إلى تغيير جذري في دائرة العلاقات السعودية البريطانية العثمانية ففي هذه الظروف سعى البريطانيون إلى كسب ود عبد العزيز، بينما جاءه مبعوثون عثمانيون قبيل الحرب وبعد اندلاعها ليقنعوه بالتزام جانب الدولة العثمانية، وبالمقابل دفعت المصالح السياسية البريطانيون دفعا إلى رفع علاقاتهم مع عبد العزيز إلى المستوى الرسمي، وأخيرا وقع معاهدة دارين مع المندوب السامي البريطاني في العراق بيرسي كوكس في 26 كانون الأول (ديسمبر) 1915 التي اعترفت بريطانيا بموجبها بعبد العزيز وورثته من بعده "حاكما لنجد والأحساء والقطيف والجبيل والموانئ التابعة لها" وصدق نائب الملك في الهند المعاهدة في 18 تموز (يوليو) 1916. #3# ويشير المؤرخ الروسي ألكسي فاسيلييف إلى أن هذه المعاهدة أول وثيقة حقوقية للاعتراف بالمكانة الدولية الجديدة للدولة السعودية وحقق عبد العزيز من خلالها هدفين طويلي الأمد هما: أولا الاعتراف به حاكما لنجد بالوراثة، وثانيا التزام بريطانيا بمساعدته. في تلك الأثناء أدت المفاوضات السرية البريطانية مع الشريف حسين إلى الثورة العربية التي اندلعت في الحجاز في الخامس من حزيران (يونيو) 1916 واستمرت نحو العامين وكان الانجليز يدعمون خلالها الشريف حسين بقوة، في عام 1918 لاحظ عبد العزيز آل سعود قبل أن تضع الحرب العالمية أوزارها تناقضا عجيبا لا يبعث على الارتياح في سياسة بريطانيا نحو الجزيرة العربية، خاصة فيما يتعلق بالنزاع بين نجد والحجاز سببه الرئيس كما أشار بعض الباحثين أن وزارة الهند كانت تعمل بمعزل عن وزارة الخارجية وكل من الوزارتين لها وجهة نظر مختلفة عن الأخرى! انتهت الحرب في آخر عام 1918، وانسحب العثمانيون من المنطقة وهيمنت بريطانيا، وفي أعقاب الحرب حل وباء الإنفلونزا في شتاء 1919/1918، الذي أودى بحياة كثير من الناس على مستوى العالم، فيما فقد عبد العزيز في هذا الوباء إحدى زوجاته وثلاثة من أبنائه. #4# نشب بعد ذلك الخلاف بين الحجازيين والنجديين على واحة (الخرمة) وفي أواخر أيار (مايو) 1919 تحرك عبد الله بن الحسين لغزو الخرمة وعسكر في (تربة) فطوقه الإخوان وقضوا على قوته وغنموا سلاحها وعتادها في ليلة 25 شعبان 1337=26 أيار (مايو) 1919، وسرعان ما وصل عبد العزيز إلى المكان فشاع الذعر والهلع في مكة، عندئذ ظهر أن البريطانيين كانوا يؤيدون الشريف حسين ضد عبد العزيز بل تدخلوا بصورة مباشرة في هذه المسألة بالذات حيث وصلت إلى عبد العزيز من القنصل البريطاني في جدة رسالة تطلب منه العودة إلى نجد وترك تربة والخرمة كمنطقة محايدة حتى يتم ترسيم الحدود بينهما وإذا امتنع عن الانسحاب فإن الحكومة البريطانية ستعتبر المعاهدة ملغاة وستتخذ الخطوات اللازمة لإعاقة عملياته! فقرر الانسحاب وترك حامية في الخرمة. أثناء هذا التماس السياسي الحاد وجهت الحكومة البريطانية الدعوة إلى زعماء الجزيرة العربية بهدف توثيق الروابط والعلاقات وفي مقدمة هؤلاء السلطان عبد العزيز للقيام بزيارة رسمية إلى بريطانيا أو من ينوب عنه، فكانت فرصة لتدقيق المواقف ولم يكن ممكنا ترك نجد لعدة أشهر في هذه الظروف ولا يمكنه الاستغناء عن ابنه سعود في وقت ما زالت فيه الأحوال السياسية والعسكرية في نجد غير مستقرة فأوفد فيصلا نيابة عنه. ويشير فاسيلييف إلى أن فيصل كان صبيا في 13 من عمره ولم يكن مؤهلا لأداء مهمة سياسية مستقلة فيما كان عليه أن يمثل والده بكل جدارة ويشارك في أهم المحادثات التي كلف بها (أحمد الثنيان) وهدفها الأول توصيل وجهة نظر عبد العزيز آل سعود في محاولة لإقناع الإنجليز بحقيقة الموقف في النزاع مع الشريف حسين.لقد سجلت الوثائق البريطانية تفاصيل هذه الزيارة لأول وفد رسمي سعودي إلى بريطانيا من خلال ما حفظته المكتبة البريطانية من سجلات مكتب الهند التي استطعنا الاطلاع عليها من خلال موقع مكتبة قطر الرقمية على الإنترنت http://www.qdl.qa/ والتي سنستعرضها بالتسلسل التاريخي مع الاستعانة بما كتبه ألكسي فاسيلييف في كتابه "الملك فيصل: شخصيته وعصره وإيمانه"، وما كتبه سعيد مشبب القحطاني في بحثه "زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز الأولى إلى أوروبا 1919: دراسة تاريخية وثائقية". الوثيقة الأولى وهي رسالة مؤرخة في 14 أيار (مايو) 1919 الموافق 13 شعبان 1337هـ من صديق حسن معاون الباليوز في البحرين إلى الشيخ عبد العزيز آل سعود يبلغه فيها مضمون برقية من الحاكم الملكي البريطاني في بغداد التي فيها دعوة الحكومة البريطانية لابن سعود لإرسال وفد الأنجال لتقوية روابط الصداقة وأن يتوجهوا إلى البحرين حالا قبل موسم طوفان البحر ... والأمل بإرسال الجواب بأسرع وقت ممكن. الوثيقة الثانية وهي رسالة جوابية مؤرخة في 17 رمضان 1337هـ الموافق 16 حزيران (يونيو) 1919 من عبد العزيز آل سعود إلى السيد صديق حسن معاون قنصل بريطانيا في البحرين يشير فيها إلى عدم التمكن من إرسال الوفد في الوقت الحاضر بسبب الاشتغال بخروج الشريف على الممالك النجدية وتجاوزاته على قبائلنا، ويمكن إرسال الوفد في منتصف ذي القعدة!! وقد يتساءل متسائل لماذا تأخر جواب الملك عبد العزيز هذه المدة الطويلة التي تتجاوز الشهر؟ والحقيقة أنه حدث بين الرسالة وجوابها معركة كبيرة بين السعوديين والأشراف في تربة وذلك في 25 شعبان 1337هـ فكان للانشغال بها والبعد عن قاعدة الحكم دور في هذا التأخير. #5# الوثيقة الثالثة: رسالة مؤرخة في الثالث من ذي القعدة 1337هـ الموافق 31 تموز (يوليو) 1919 من عبد العزيز آل سعود إلى القنصل البريطاني في البحرين حول توجه فيصل ومعيته إلى الأحساء بانتظار تعليمات التوجه للبحرين. الوثيقة الرابعة: رسالة مؤرخة في الرابع من آب (أغسطس 1919) الموافق الثامن من ذي القعدة 1337هـ من معاون القنصل في البحرين إلى الشيخ عبد العزيز آل سعود تشير إلى جواب الحاكم الملكي في العراق أن شهر ذي القعدة مناسب وأنه نظرا لضيق الوقت يجب إرسال أحد أنجالكم في أقرب فرصة إلى البحرين، حيث سيأتي ضابط بريطاني يحسن العربية على المركب لارنس في 22 ذي القعدة وأن الشيخ أحمد الجابر سيرافق الوفد على المركب نفسه وأكدت الرسالة على " يلزم أن نجلكم يصحب معه نفر واحد بصفته خادم" #6# الوثيقة الخامسة: رسالة مؤرخة في 14 آب (أغسطس) 1919 الموافق 16 ذي القعدة 1337هـ من معاون القنصل في البحرين إلى الشيخ عبد العزيز السعود حاكم نجد يشير إلى برقية الحاكم الملكي في بغداد بأن المركب لارنس سيصل البحرين في 30 ذي القعدة ويجب الحضور قبل ذلك بأسبوع أي في 23 ذي القعدة وأن عدد المرافقين لفيصل قد حدد بأحمد الثنيان ونفرين للخدمة. الوثيقة السادسة: رسالة مؤرخة في 14 آب (أغسطس) 1919 الموافق 16 ذي القعدة 1337هـ من معاون القنصل في البحرين إلى الشيخ فيصل بن عبد العزيز السعود بأنه تلقى رسالة والده المؤرخة في 3 ذي القعدة وأن المركب سيصل البحرين في 30 ذي القعدة ويجب الحضور قبل ذلك بأسبوع، وقد حدد المرافقين بأحمد الثنيان ونفرين للخدمة ويطلب حضوره في 19 آب (أغسطس) 1919 الموافق 23 ذي القعدة 1337هـ. الوثيقة السابعة: رسالة مؤرخة في 15 ذي القعدة 1337هـ الموافق 12 آب (أغسطس) 1919 من عبد العزيز آل سعود إلى معاون القنصل في البحرين يستغرب عدم الإذن لعبد الله القصيبي بمرافقة فيصل! ويؤكد أن الوفد لا يمكن أن يكون أدنى من ستة أفراد غير فيصل وابن ثنيان والقصيبي لأنه إن كان أقل من ذلك فإنه يعتبر ذلك نقصا في حقه كما أن "الولد صغير وفي حال غربة ولا يصلح إلا بخدام"، وأن سفر عبد الله القصيبي من الضروريات. #7# الوثيقة الثامنة: رسالة مؤرخة في 20 آب (أغسطس) 1919 الموافق 23 ذي القعدة 1337هـ من معاون القنصل في البحرين إلى الشيخ فيصل بن الشيخ عبد العزيز السعود يشير إلى برقية الحاكم الملكي في العراق بوصول المركب لارنس يصل بتاريخ 19 أغسطس 1919م الموافق الأول من ذي الحجة 1337هـ وأن عدد الوفد ارتفع إلى خمسة بما فيهم فيصل وأحمد الثنيان وأنه لا يمكن زيادة العدد أكثر من ذلك لصعوبة وجود أماكن على المركب. الوثيقة التاسعة: رسالة مؤرخة في 24 ذي القعدة 1337هـ الموافق 21 آب (أغسطس) 1919 من فيصل بن عبد العزيز إلى نائب القنصل بالبحرين يؤكد أن كلام والده نص على أن يتكون الوفد من فيصل "ومعتمده الشيخ " أحمد الثنيان آل سعود و"وكيل أمورنا الشيخ" عبد الله القصيبي وستة أنفار لا بد من مرافقتهم وأنه مستعد بمصاريفهم إذا كان في ذلك تكلفة على الحكومة وأكد على أن القصيبي لا بد من سفره معهم. #8# الوثيقة العاشرة: رسالة مؤرخة في 25 ذي القعدة 1337هـ الموافق 22 آب (أغسطس) 1919 من فيصل بن عبد العزيز إلى نائب القنصل في البحرين يعبر فيها عن امتنانه بالموافقة على سفر عبد الله القصيبي بصحبتهم ويطلب تقييد نفرين من جملة الخدمة للوصول إلى بومباي. الوثيقة الحادية عشرة: رسالة مؤرخة في 25 آب (أغسطس) 1919 الموافق 28 ذي القعدة 1337هـ من معاون القنصل في البحرين إلى الشيخ فيصل بن عبد العزيز بالموافقة على أخذ خادمين زيادة ليكون عدد جميع الوفد ستة كما تقرر. #9# الوثيقة الثانية عشرة: رسالة مؤرخة في الرابع من ذي الحجة 1337هـ الموافق 31 آب (أغسطس) 1919 من عبد العزيز آل سعود إلى معاون القنصل في البحرين وهي رسالة جوابية على رسالة معاون القنصل المؤرخة في 14 آب (أغسطس) 1919 الموافق 16 ذي القعدة 1337هـ ويأمل أن فيصل قد حضر لديهم وأن ترتيب أتباعه حصل حسب الرغبة. الوثيقة الثالثة عشرة: رسالة مؤرخة بتاريخ الأول من أيلول (سبتمبر) 1919 الموافق الخامس ذي الحجة 1337هـ من معاون القنصل في البحرين إلى عبد العزيز آل سعود يخبره بوصول فيصل إلى البحرين وأنهم سيسافرون في 30 آب (أغسطس) 1919 الموافق الثالث ذي الحجة 1337هـ وسيكون وصولهم إلى بومباي في التاسع من أيلول (سبتمبر) الموافق 13 ذي الحجة ومن هناك يركبون في المركب إلى لندن بعد إقامة يومين أو ثلاثة وأنه تم السماح لعبد الله القصيبي بمرافقة فيصل ويصحب الجماعة ضابط مقتدر فعليه الاطمئنان وسيوافيه بالأخبار عن فيصل ومرافقيه عند وصولها. #10# الوثيقة الرابعة عشرة: رسالة مؤرخة في 19 أيلول (سبتمبر) 1919 الموافق 23 ذي الحجة 1337 من معاون القنصل في البحرين إلى حاكم نجد يخبره بأنه تم تحديد سفر فيصل من بومباي إلى انجلترا بتاريخ 21 أيلول (سبتمبر) 1919 الموافق 25 ذي الحجة 1337هـ وأنه سيوافيه بالأخبار أولا بأول. الوثيقة الخامسة عشرة: رسالة مؤرخة في 26 ذي الحجة 1337هـ الموافق 22 أيلول (سبتمبر) 1919 من عبد العزيز آل سعود إلى معاون القنصل في البحرين جوابا على رسالته المؤرخة بتاريخ الأول من أيلول (سبتمبر) 1919 الموافق الخامس من ذي الحجة 1337هـ فيها شكر وامتنان وأمل بموافاته بالأخبار. الوثيقة السادسة عشرة: رسالة مؤرخة في الخامس من محرم 1338هـ الموافق 30 أيلول (سبتمبر) 1919 من عبد العزيز آل سعود إلى معاون القنصل في البحرين جواب على الرسالة المؤرخة في 19 أيلول (سبتمبر) 1919 الموافق 23 ذي الحجة 1337 وفيها شكر وامتنان وطلب موافاته بالأخبار. #11# الوثيقة السابعة عشرة: رسالة مؤرخة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 1919 الموافق 11 محرم 1338هـ من معاون القنصل إلى حاكم نجد يفيد عن وصول فيصل وجماعته إلى بورت سعيد بتاريخ الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) الموافق السابع من محرم على أنه يتوقع وصولهم إنجلترا 18 تشرين الأول (أكتوبر) الموافق 22 المحرم. الوثيقة الثامنة عشرة: رسالة مؤرخة في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1919 الموافق 27 محرم 1338هـ من معاون القنصل في البحرين إلى الشيخ عبد العزيز السعود حاكم نجد يخبر بوصول فيصل ومرافقيه إلى لندن بكمال الصحة بتاريخ 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1919 الموافق 17 محرم 1338هـ. #12# الوثيقة التاسعة عشرة: رسالة مؤرخة في العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1919 الموافق 16 صفر 1338هـ من القنصل في البحرين الميجر ديكسون إلى الشيخ عبد العزيز السعود يخبر فيها باستقبال ملك وملكة بريطانيا في قصر بكنجهام لوفد جزيرة العرب برئاسة فيصل، حيث سلموا رسالة ابن سعود إلى الملك وأهدوه السيفين المذهبين، وأكد أن الحكومة ستتذاكر معهم في المسائل السياسية، كما أعرب الملك عن حزنه على فقد ابن سعود ثلاثة من أولاده بسبب وباء الإنفلونزا، وأبدى مشاعر الصداقة كما أهدى صورته على الوفد. الوثيقة العشرون: رسالة مؤرخة في 19 صفر 1338هـ الموافق 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 1919 من عبد العزيز آل سعود إلى معاون القنصل في البحرين جواب على كتابه المؤرخ في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1919 الموافق 27 محرم 1338هـ وفيها شكر وامتنان وطلب الموافاة بالأخبار. #13# الوثيقة الحادية والعشرون: رسالة مؤرخة في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 1919 الموافق 4 ربيع الأول 1338هـ من القنصل في البحرين الميجر ديكسون إلى ابن سعود يخبر أن نجله فيصل يقوم بجولة سياحية في أيرلندا بصحبة المستر فيلبي وسيتحدد موعد سفره فيما بعد، كما يخبره عن سفر نجل شيخ الكويت إلى البصرة رأسا. الوثيقة الثانية والعشرون: رسالة جوابية مؤرخة في 20 ربيع الأول 1338هـ الموافق 13 كانون الأول (ديسمبر) 1919 من عبد العزيز آل سعود إلى القنصل في البحرين فيها شكر وامتنان على الأخبار السارة. الوثيقة الثالثة والعشرون: رسالة مؤرخة في 20 تشرين الثاني (فبراير) 1920 الموافق 30 جمادى الأولى 1338هـ من قنصلية البحرين ـــ كما يبدو ـــ إلى ابن سعود حاكم نجد حيث أعاد برفقها أوراق المذاكرة بين وزير الخارجية البريطاني ووفد نجد التي سبق تسليمها للقنصل ويعتذر بسبب بقاءها عنده مدة طويلة. الوثيقة الرابعة والعشرون: رسالة مؤرخة في 20 جمادى الثانية 1338هـ الموافق 11 آذار (مارس) 1920 من فيصل بن عبد العزيز إلى القنصل في البحرين تتضمن جوابا على برقية الحاكم السياسي العام في العراق الكرنل ويلسون حول حسن قبول تصاويرهم هو وأحمد بن ثنيان وأن ذلك من الشواهد القوية على حسن الوداد. #14# من خلال الوثائق التي تم استعراضها من سجلات مكتب الهند نلاحظ أن قصة رحلة الوفد النجدي إلى أوروبا جاءت بتفاصيل مهمة حول الملابسات المتعلقة بالرحلة وموعدها وعدد أفرادها وخط سيرها وما دار حول هذه الأمور من مراسلات غير متوافرة في المصادر المحلية كما احتوى الأرشيف البريطاني على أوراق المحادثات السياسية الرسمية التي أجراها الوفد مع وزير الخارجية. على أننا نجد عند فاسيلييف تفاصيل لطيفة استقاها من مصادر كتبت بقلم باحثين انجليز موضوعيين فذكر أن ولي عهد الكويت أحمد الجابر فكان مقررا أن يصل مع النجديين ولذا استقل مع مرافقيه الباخرة العتيقة لورنس فيما التحق النجديون به في البحرين، وأن الباخرة في طريقها إلى بومباي ألقت السفينة مراسيها في مسقط وأقام سلطان البلاد مأدبة فاخرة تكريما للضيوف. كما ذكر أن فيصل حين صعد إلى الباخرة وجده الطبيب الذي على السفينة مريضا ولعله شخص مرضه بالملاريا إذ وصف له بعد فحصه (الكينا) واستخدمها بانتظام ولم يشك إلا مرة واحدة من ملله من أقراص الكينا المرة! وأشار فاسيلييف إلى حصول خلاف طفيف بين وفدي نجد والكويت لأن أحمد الجابر كان في الثلاثين وكان يرى من غير اللائق أن يتنازل عن الزعامة لأمير في الـ 13 من عمره، وما كان في نية فيصل إثارة موضوعا برتوكوليا مثل هذا لو لم يذكره أحمد بن ثنيان بمكانته الرفيعة على أي حال تم تسوية الخلاف بكل أريحية. ومن اللطائف أنه تم تدريب الموفدين العرب على استعمال الشوكة والسكين أثناء تناول الطعام في الرحلة وأتقنوا بسهولة أساليب التعامل على الطريقة الأوروبية وآداب السلوك العام بالمفهوم الأوروبي. #15# وألمح فاسيلييف إلى تقيد أعضاء الوفد النجدي بمواقيت الصلاة وهم إلى ذلك لا يدخنون فيما كان الكويتيون يدخنون ويفوتون أحيانا موعد الصلاة، فيما كان الجميع يتناول الطعام على مائدة واحدة، وفيما عدا لك فإن أفراد كل وفد يحاولون البقاء على انفراد، والجميع يحتسون القهوة التي يعدها الخدم. وذكر أن الوفدان جلبا هدايا متماثلة لملك بريطانيا هي السيوف وكانت سيوف النجديين بقبضات وأقربة ملبسة بالذهب ومطعمة باللؤلؤ من صنع الأحساء، وقد لاحظ قبطان الباخرة اختلاف لون تذهيب المقبض عن تذهيب الأقربة في السيفين فتساءل عن ذلك فأخبره بن ثنيان بأنه لا يوجد في نجد ذهب ولكنهم يقومون بصهر العملات الذهبية النقدية إذا احتاجوا إلى ذلك وبين للقبطان أن المقابض صنعت في نجد بصهر الليرات العثمانية والأقربة صنعت في الأحساء بصهر الجنيهات الإنجليزية. وأشار إلى أن الوفدان وصلا إلى ميناء بليموث أولا وهناك استقبلهما فيلبي بحضور مراسلي الصحف وآلات التصوير وكانوا جميعا في الزي العربي الجميل غير المألوف في أوروبا. ومما أشار إليه حدوث خلل برتوكولي جعلهم ينقلون الضيوف من فندق إلى آخر وفي أحد الفنادق لم يكن ممكنا تناول الطعام وذات مرة سلكوا لبطريق تحت المطر ليصلوا إلى مطعم فتهكمت صحف لندن على هذا الحدث ووقعت في يد الملك جورج فلفت نظر الحكومة إلى ذلك وتم تلافي الخلل. وعن تفاصيل استقبال الملك جورج الخامس للوفد ذكر أن الملك جورج الخامس وعقيلته وكريمته الأميرة ماري استقبل الوفد النجدي في قاعة العرش بقصر بكينجهام الساعة 11:45 من صباح 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1919، حيث بدأ فيصل بتلاوة رسالة أبيه بالبسملة ثم سلم نصها للملك وقدم له سيفين هدية وأعرب الملك عن مواساته لعبد العزيز ومبعوثه بسبب وفاة ثلاثة من أبنائه بالإنفلونزا ثم قدم صورتين فوتوغرافيتين صورته وصورة الملكة وعليهما إهداء بخطه من أجل حاكم نجد، معبرا عن صداقته، ومحيلا المسائل السياسية إلى الحكومة ليتباحث الوفد معها. #16# ويشير سعيد مشبب القحطاني إلى أن الوفد بعد مقابلتهم للملك جورج الخامس غادروا بريطانيا إلى باريس فجأة بسبب تجاهل المسؤولين البريطانيين لوفد الأمير فيصل ومعاملتهم معاملة الصغار فبدلا من الاهتمام بالشؤون السياسية اهتموا بأشياء أخرى أقل أهمية مثل زيارة المترو أو حديقة الحيوان وقد أدرك البريطانيون غلطتهم وعالجوا الأمر بإرسال جون فيلبي لاسترضاء الأمير والوفد المرافق له والعودة بهم إلى إنجلترا وأعدوا لهم برنامجا متكاملا لزيارة معالم بريطانيا واستئناف المحادثات الرسمية. وقد كان الإنجليز جادين في مباحثاتهم مع الوفد ودرسوا رسالة عبد العزيز الذي أوضح حقيقة خلافاته مع الشريف وأسباب الاشتباك معه طالبا السماح لحجاج نجد بدخول مكة وسرعة ترسيم الحدود بين نجد والحجاز. وكان بن ثنيان في الحقيقة هو الذي يجري المحادثات لكنه كان يناقش كل شيء مع فيصل لأن الفتى يريد أن يعرف كل شيء لأنه عندما ودع والده قال له: ستحدثني عن كل ما يدور هناك بعد أن تعود. ومن الأماكن التي أشار فاسيلييف إلى زيارة فيصل ومرافقيه لها دير وستمنستر آبي ومبنى البرلمان والمتحف الوطني والبنك البريطاني وحديقة النبات ومرصد جرينيتش وكاتدرائية القديس بولس، وشاهد فيصل في نهر التايمز غواصة ألمانية من غنائم الحرب والتقطوا له صورا على متنها، كما زار الوفد كلية ترينتي في كامبردج التي تخرج منها فيلبي، ثم قاموا برحلات في ربوع إنجلترا وويلز وإيرلندا، وزاروا مصنع التعدين في ويلز وشاهد أحواض بناء السفن في بلفاست ومصنع الأسلحة والسيارات في برمنجهام وميدان الرماية ومزرعة الخيول ومواقع الصيد والمتاحف والمسارح والمتاجر. كما تعرف الوفد على هيئة تحرير جريدة "ديلي سكيش"، حيث التقطوا صورا لفيصل وعرضوا عليه كيفية التحميض ثم تابعوا كيف تتحول الصورة إلى رقيقة معدنية ثم دخلوا المطبعة التي تنضد فيها الجريدة وجلس فيصل على كرسي رئيس التحرير وأخذ بضع نسخ من الجريدة للذكرى. ومن اللطائف التي أوردها فاسيلييف زيارة فيصل ومرافقيه لمبنى البرلمان البريطاني، حيث دعوا لاحتساء الشاي في مطعم البرلمان وكان السكر بسبب عدم توافره يوزع بالبطاقات، ولذا يقدم بحبات قليلة على الموائد ووضع فيصل سكرا زائدا في فنجان الشاي فلم يبق شيء من السكر لشاي الآخرين فارتبك المرافقون واضطروا لطلب كمية أخرى من السكر. وأشار إلى أن فيصل في محطة البيكاديلي لمترو الأنفاق أعجب بالسلم الكهربائي فصعد ونزل عدة مرات. ومن محطة فكتوريا توجه النجديون إلى مضيق كاليه وركبوا العبارة إلى فرنسا وأمضوا ليلتهم في ستراسبورج ثم كولونيا قبل أن يصل باريس وينزل في أوتيل دوموند.. هناك في باريس قرر المسؤول البريطاني المرافق حين علم بوجود فيصل بن الحسين في باريس تنظيم لقاء بين الوفد وفيصل بن الحسين إلا أن ابن ثنيان رفض اصطحاب فيصل بن عبد العزيز وذهب وحده في لقاء اعتبره هو غير رسمي ولكن ظهرت في كلام فيصل بن الحسين نبرة رأى فيها ابن ثنيان نوعا من الإهانة فاتقدت عيناه شررا فأنهي اللقاء بأسرع ما أمكن. ويشير فاسيلييف إلى أن فيصل بعث من فرنسا إلى وزير شؤون الهند رسالة شكر على الحفاوة التي قوبل بها ووقع الرسالة كالآتي: "فيصل بن عبد العزيز بن سعود نجل ملك أراضي نجد وشيخ مشايخ قبائلها"، وقد صاغها ابن ثنيان ويعني ذلك وصف عبد العزيز بالملك لأول مرة في الممارسات الدبلوماسية. وقد أمضى الوفد أسبوعين إضافيين في باريس تخللها زيارة مواقع الحرب في بلجيكا بتاريخ التاسع من كانون الأول (ديسمبر) 1919 وذلك لعدم وجود وسيلة نقل للعودة، وفي حين سهرت على راحة الوفد في فرنسا شركة توماس كوك السياحية فإن أعضاء الوفد لم يكنوا مرتاحين لخدماتها، وأخيرا غادروا ميناء مرسيليا برفقة المقدم جراي في نهاية ديسمبر وعاد فيصل إلى الوطن في شباط (فبراير) 1920 من الطريق نفسه عبر بومباي والبحرين. وأخيرا فبقدر ما كانت هذه الزيارة مفيدة في تحسين العلاقات بين بريطانيا والملك عبد العزيز فإنها على المستوى السياسي لم تحقق النتائج المرجوة، وبقدر ما كانت تجربة صعبة بالنسبة للأمير فيصل كما قال جون فيلبي بقدر ما كانت دراسة علمية زادت في معلوماته ونورت أفكاره كما قال منير العجلاني، ولكن كان لأول وفد سعودي إلى أوروبا قصة استمرت نحو ستة أشهر ومرت في خط طويل مشرقة مغربة بمحطات عديدة بدأت من الرياض فالأحساء ثم من البحرين إلى مسقط فبومباي ثم من بومباي إلى بورسعيد فبليموث ومنها إلى لندن مرورا بويلز وإيرلندا ومن لندن إلى باريس مرورا ببلجيكا ثم العودة من مرسيليا إلى بومباي ومنها إلى البحرين فالأحساء وأخيرا الرياض.
إنشرها