نام «إيلان»

لم يكمل هذا الطفل سني طفولته؛ بل لم يبلغ سن الدراسة، لكنه رأى في هذه السنين القليلة ما لا يمكن أن يراه من شاخوا في بحبوحة العيش، ورغد الأمن والاستقرار.
شاهد الطفل الطائرات وهي ترمي بيته وقريته بالبراميل المتفجرة. عرف تكتيكات الهروب من القذائف، واستوعب الدمار الذي يسيطر نتيجة ذلك البرميل وهو يراه يدمر البيت والمدرسة والمشفى. علم أن السماء فعلا قد تمطر الموت.
رأى الناس وهم يهربون من مطاردة الشبيحة. اكتشف أنه يمكن أن يشي به أقرب قريب، لأن النظام يجند الجميع للوشاية بالجميع. شاهد عنف أزلام النظام وهم يهينون الرجال ويقتلون النساء ويذبحون الشيوخ ويدوسون على الأطفال بأقدامهم. رآهم يفجرون رؤوس الناس بمكعبات الأسمنت، فعلم أنه لا يمكن أن يثق بأحد.
اكتشف هذا الطفل مبكرا أنه يمكن أن تقتل بسبب صلاتك في المسجد، ويمكن أن تقتل بسبب صلاتك في الكنيسة، ويمكن أن تقتل بسبب عدم صلاتك في أي منهما. النتيجة واحدة أنت مقتول.. مقتول.. مقتول. وصل علم هذا الطفل إلى أنه يمكن أن يقتل الإنسان الانتماء إلى حزب ويقتله عدم انتمائه.
حياة الطفل القصيرة ملأها الخوف والرعب، لدرجة أن اللعب الذي يتمتع به كل أطفال العالم أصبح محظورا، فأمه لا تضمن أن تكون الألعاب ملغومة، أو أن ينتظر طفلها قناص على سطح منزل ليرديه، أو تسقط قذيفة لتدمر الملعب وكل من فيه.
إيلان هو الاسم الذي اقترن بكل هذه المآسي. اقترن بالموت منذ أول نفس يدخل رئتيه الصغيرتين. إيلان هو المأساة والملهاة التي تساوت فيها الحياة والموت، وعاش أبطالها الخوف والجرأة، وتساوت عندهم كل البدائل إلا بديل الهروب.
هروب كبير استغلهم فيه تجار اللجوء، فأخذوا كل ما جمعه أبو إيلان من المال لقاء بصيص أمل بالحرية. تجهزوا، وبظلام الليل تدثروا. سهرت أمه تحكي له قصص العالم الجديد، والجنة التي تنتظرهم على الشاطئ الآخر.
نام إيلان وهو يحلم بما لم يعرفه في حياته.. الهدوء والسكينة والسعادة والمدرسة والألعاب والفرح الذي لا يعرف كيف يكون، لكنه يتمناه.
نام إيلان نومته الأخيرة، فلم يكن مقدرا له سوى أن يحلم بالعالم الجديد فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي