نص تاريخي نفيس عن قناة السويس
ورد في الموسوعة العربية مبحث مهم عن قناة السويس، ملخصه أن سنوسرت الثالـث، أحـد فراعنة السلالة الثانية عشرة (2000 ـ 1800 ق. م)، أول من شق قناة تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر. وقد ازدادت أهمية برزخ السويس بعد ذلك. وفي عام 285 ق. م، تم إعداد القناة بأكملها، إذ أمر بطليموس الثاني بحفر الجزء الواقع بين البحيرة المرة والبحر الأحمر، فأصبحت القناة تصب في البحر الأحمر بجوار مدينة كليسما "وهو اسم السويس الإغريقي القديم". وفي عام 98 م، ولأسباب تتعلق بضرورات التجارة، رأى الرومان إعادة استخدام القناة بعد أن عبثت بها أيدي الإهمال في أواخر عهد البطالسة، فقام الإمبراطور تراجان بحفر وصلة جديدة، غير أن القناة أهملت من جديد في عهد البيزنطيين، إذ تركوا التراب يطغى عليها، وغدت غير صالحة للملاحة. ولما فتح العرب المسلمون مصر، وولي عليها عمرو بن العاص، خطر له أن يحفر قناة تصل مباشرة بين البحرين المتوسط والأحمر، ولكن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفض ذلك خشية أن تتعرض مصر كلها لطغيان مياه البحر الأحمر، فأمر الخليفة بالاكتفاء بإعادة قناة الرومان القديمة، كي يتسنى للسفن السفر إلى الحجاز واليمن والهند، وبذلك أعاد العرب قناة الرومان إلى الملاحة من الفسطاط إلى القلزم، في أقل من ستة أشهر "القلزم هو اللفظ العربي لاسم السويس القديم كليسما". وقد سميت هذه القناة بقناة أمير المؤمنين، واستخدمت زهاء 150 سنة، لتنشيط التبادل التجاري ولنقل الحجاج إلى بيت الله الحرام. ثم أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بردمها، كي لا تستخدم في نقل المؤن إلى أهل المدينة الذين تمردوا على سلطته فتوقفت الملاحة بين البحرين بعد ذلك. وفي أثناء إقامة الفرنسيين في مصر، لم يكن من السهل على «ديليسبس» إقناع المسؤولين بفكرة فتح القناة، بسبب المخاوف القديمة من طغيان مياه البحر التي كانت تراود أفكار الناس. واستمر ديليسبس في بذل مساعيه مستفيدا من صداقته للخديوي محمد سعيد، الذي أصدر فرمانا عام 1854 يعطي امتياز فتح القناة إلى ديليسبس، وصدق الباب العالي امتياز القناة، وكانت مدة الامتياز 99 سنة. ومع العقبات الكثيرة التي واجهت هذا المشروع، فقد أمكن تدشينها عام 1869، وحضر الحفلة عدد من ملوك أوروبا. وبقيت القناة ملكا لشركة السويس العالمية، إلى أن أممتها الحكومة المصرية عام 1956. وما زالت قناة السويس تعمل حتى اليوم، وفي عام 2015 افتتحت قناة السويس الجديدة.
وهناك نصوص نفيسة عن ملامح من تاريخ هذه القناة في المصادر العربية المتقدمة، اخترت اثنين منهما، والأول للحميري في الروض المعطار يقول فيه:
"ذنب التمساح: موضع حفير على ميل من بلد القلزم، كان حفره بعض الملوك ليوصل ما بين القلزم والبحر الرومي فلم يتأت له ذلك لارتفاع القلزم وانخفاض بحر الروم، والله تعالى قد جعل بينهما حاجزا كما ذكره تعالى في كتابه، وعليه قنطرة عظيمة يجتاز عليها حاج مصر، ولما لم يتأت له ذلك احتفر خليجا آخر من بحر الروم مما يلي بلاد تنيس ودمياط، فاستمر الماء في هذا الخليج من بحر الروم إلى موضع يعرف بقيعان، فكانت المراكب تدخل من بحر الروم إلى هذه القرية وتدخل من بحر القلزم إلى آخر ذنب التمساح فيقرب ما في كل بحر إلى الآخر، ثم ارتدم ذلك على طول الدهر، وقد هم الرشيد أن يوصل ما بين هذين البحرين من أصل مصب النيل من نحر بلاد الحبشة وأقاصي صعيد مصر فلم يتأت له قسمة ماء النيل، فرام ذلك مما يلي بلاد الفرما فقال له يحيى بن خالد: إن تم هذا يتخطف الناس من المسجد الحرام ومكة، فامتنع من ذلك. وقد أراد عمرو بن العاص محاولة هذا عند توليه أمر مصر، فمنعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه".
والثاني للقلقشندي في "صبح الأعشى"، ويقول فيه:
"وبآخر بحر القلزم من الذراع الآخذ إلى جهة السويس على ميل من مدينة القلزم يعرف بذنب التمساح يتقارب بحر القلزم وبحر الروم فيما بينه وبين الفرما حتى يكون بينهما نحو سبعين ميلا فيما ذكره ابن سعيد. قال في الروض المعطار: وكان بعض الملوك قد حفره ليوصل ما بين القلزم وبحر الروم فلم يتأت له ذلك لارتفاع القلزم وانخفاض بحر الروم، والله تعالى قد جعل بينهما حاجزا كما ذكر تعالى في كنابه. قال: ولما لم يتأت له ذلك احتفر خليجا آخر مما يلي بلاد تنيس ودمياط وجرى الماء فيه من بحر الروم إلى موضع يعرف بقيعان. فكانت المراكب تدخل من بحر الروم إلى هذه القرية وتدخل من بحر القلزم إلى ذنب التمساح فيقرب ما في بحر إلى الآخر، ثم ارتدم ذلك على طول الدهر.
وقد ذكر ابن سعيد أن عمرو بن العاص كان قد أراد أن يخرق بينهما من عند ذنب التمساح المتقدم ذكره فنهاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: إذن يتخطف الروم الحجاج. وذكر صاحب الروض المعطار أن الرشيد همّ أن يوصل ما بين هذين البحرين من أصل مصب النيل من بحر بلاد الحبشة وأقاصي صعيد مصر فلم يتأت له قسمة ماء النيل، فرام ذلك مما يلي بلاد الفرما فقال له يحيى بن خالد: إن تم هذا تتخطف الناس من المسجد الحرام ومكة، واحتج عليه بمنع عمر بن الخطاب عمرو بن العاص من ذلك، فأمسك عنه".