ابن لعبون يشتاق إلى نجد
محمد بن حمد بن محمد بن ناصر بن لعبون المدلجي الوائلي، شاعر مبدع من أشهر شعراء النبط وأكثرهم تفوقا وإبداعا، شعره يذوب رقة وغزلا، ويسيل عذوبة وسلاسة وملاحة. وجل شعره في غاية الروعة، سواء المديح، أو الهجاء، أو الغزل. ولد في نجد في بلدة "ثادق" سنة 1205 هـ، ودرس على والده الذي كان أحد علماء نجد ومؤرخيها، وحفظ القرآن، وتعلم الخط، وكان خطه رائعا جميلا فائقا، وقال الشعر في صغره، ثم سافر قاصدا الزبير، وهو في السابعة عشـرة من عمره، ومكث مدة في الزبير، وله فيها أخبار وأشعار وأهاجٍ ومدائح، ثم سافر إلى أماكن أخرى حتى استقر في الكويت ولم يزل هناك إلى توفي سنة 1247هـ في الطاعون العظيم الذي عم العراق والزبير والكويت.
ورغم تطواف ابن لعبون في عدة ديار، إلا أن شوقه إلى نجد وإعجابه بأهلها وشهامتهم كانت مسيطرة عليه، ويتضح ذلك من أشعار وأخبار متعددة تروى عنه، ومنها قصيدته التي مطلعها:
يا أهل العيرات عن دار التلاف
من عفا الله عنه يردف له رديفْ
ويتضح منها شغفه بنجد وأهلها، وشوقه إلى العودة إليها. وله قصيدة أخرى عجيبة فيها ثناء على أهل نجد، مليئة بالحكمة والأفكار الفلسفية، وتدل على تأثره بكتب الفلاسفة، وشعر أبي العلاء المعري، وقد ذهبت بعض أبياتها أمثالا سائرة بين الناس.
يقول ابن لعبون في قصيدته:
لو باتمَنْىَ قلْتِ يا ليْت مِنْ غَابْ
عَنْ مَا جَرَى باللّوح واللي كتب بَهْ
كيف أتمنّى والقَلَم بِيْد كتَّابْ
مِنْ جَفّ ذاك اليوم وأنا بتبّهْ
أمي وأبوي اللي رمُوْني بالأسباب
يا ليتها يوم الحمَال أسْقِطَتْ بَهْ
وأنا فرِيْطٍ ما رضَتْ عنه الألباب
تَبَّت عْقُوْلٍ بالقضَا ما رضَتْ بَه
لكن زمَانٍ نَابني فيه ما نَابْ
صَدّ وتصَادِيْدٍ على غِيْر سِبّهْ
يِفرّ بي مِنْ وَاهِج الفِكْرِ دُوْلابْ
أَرَى غراب البين فيها نعب بَهْ
أهله على ما قال شـرواك بالبابْ
مثل السمك بالماي ما ينقضب بَهْ
رَجّالهُمْ ما يَسْفَهْ إلاّ إلى شَابْ
مثل القَرَع يَفْسِدْ إلا كَثْرِ لُبَّهْ
صدُوْقُهُمْ عِنْدِي خنُوْبٍ وكذَّابْ
والبَحْرِ مِثْلِ اللِّيْل ما يِنـْشـربْ بَهْ
ضـراغِمٍ عنْد الخوِنْدَاتِ وأطْوَابْ
والى طَلَع للدَّوِّ تَلْقَاه دبّهْ
وإلاّ فْرَاعِي نَجْد مِنْ طَالَعهْ هَابْ
تَراَه مِثْل السـيف مَا يِنْلعِبْ بَهْ
خَفّ القطِيْنْ وحِيْنْ قوّضْن الأحْبَابْ
هَبّتْ لنَا مِنْ نسْمة الـشـرق هَبّهْ
تَحَمّلِتْ مِنْهَا الرُّوَايِحْ بالأطْيَابْ
وغِيْر البَخَتْرِي والنّفَل مَا نشَتْ بَهْ
كِنّي إلى هَبَّتْ مِنْ الرِّيْح مشـرابْ
مِنْ فَرْطِ وَجْدِي بَه ومِنْ كثْرِ حبَّهْ
حَامِل هَوَاهَا القَلْب في ليْل الأتْعَابْ
حِمْلٍ ثقِيْلٍ مَا دري وين اذبّهْ
لو صار مَسْتُوْرٍ وفي الجبْت بتراب
كان ألحقه يا ابن حمد واصْطحِبّ بَه
ينفع صـريعٍ فيه بالظفر والنَّابْ
ما يَنْفَعْ المَبْطُوْن في النّزْع طِبَّهْ
أهل العَمَايِمْ والنّمَايِمْ والأصْحَابْ
مِدّ الحبل في ذمّهم واحْتِطِبّ بَهْ