بين الآلوسي والكرملي

بين الآلوسي والكرملي

بطرس جبرائيل يوسف عواد، المعروف بالأب أنستاس الكرملي "1283- 1366هـ"، رجل دين مسيحي، مؤرخ، لغوي، أبوه لبناني، وأمه عراقية. تتلمذ على واحد من أبرز علماء السنة في العراق وهو العلامة الأديب المؤرخ الشيخ محمود شكري الآلوسي "1273- 1342هـ". وكان الأول معجبا بشيخه أشد الإعجاب، ويورد مناظرة دارت بينهما فيقول: "قال لي يوما من أيام سنة 1895 شيخي وأستاذي، السيد محمود شكري الآلوسي، ما هذا ملخصه: "إن العرب أوغلوا في ديار الهند، وجزائر زايج، وأقصى الشرق، ووصلوا إلى الربوع التي عرفت بعد ذلك بقرون عديدة بأميركة، وذلك قبل الإسلام بمئتين من السنين، ونعرف هذا، من كلام أحد شعرائهم إذ يقول:

أين ابن حرب ورهط لا أحسهم كانوا علينا حديثا من بني الحكم

يجبون ما الصين تحويه مقانبهم إلى الأفاريق من فُصح ومن عجم

والمراد بالأفاريق هنا: جمع إفريقية، أي إفريقية كلها بأقسامها المختلفة. والشعر للأحوص. راجع لسان العرب، في مادة فرق. قال: ومن هناك. أي من أنحاء الصين، "انتقلوا إلى جزائر زايج، وأقصى الشرق، والبلاد التي سميت بعد حين: العالم الجديد، أو ديار أمريكية". فقلت له: يا سيدي وشيخي: هذا كلام شاعر لا يعتمد عليه، لأننا لا نرى في أخبار الغربيين، أن الناطقين بالضاد ذهبوا إلى تلك الأرجاء. قال: إن الغربيين يعنون بتواريخهم، ولا يعنون البتة بنا، كما أننا نعنى بتواريخنا، ولا نهتم بأخبارهم. والشاعر هنا يقرر حقيقة، ولا يتكلم كلام شاعر. فسكت على مضض، ولم يستطع أن يزيدني دليلا، لأطمئن إلى قالته، لكني قلت في نفسي: إن كان علماء الغرب اهتدوا إلى أن الهنود والفرس هم من أقارب الأوروبيين، ولاسيما من أقارب الألمان، مستعينين بتتبع لغى هؤلاء الأقوام، فلا بد من أن يكون لنا دليل لغوي، يثبت هذه الحقيقة. لكن شتان بين لغات الهند، والصين، واليابان، والأميركيين، ولغة العرب! فلا مطمع إذن في إثبات مقالة أستاذي الآلوسي ــ رحمه الله".
وقد رجع الكرملي إلى رأي شيخه ونشر مقالة مطولة في كانون الثاني (يناير) من عام 1945، تحت عنوان "العرب قبل الإسلام في أقصى الشرق وأميركة"، يورد فيها الأدلة على صحة هذا الرأي، إلا أن أدلته ليست كافية.

الأكثر قراءة