حروف للعميان زمن ابن حزم
أبو محمد علي بن حزم الأندلسي (384- 456هـ)، عالم من أكبر علماء الإسلام وأكثرهم شهرة، برع في علوم متعددة، ونالت مؤلفاته شهرة وذيوعاً وما زالت. عاش في الأندلس في القرن الخامس الهجري، ودرس على عدد من علمائها من بينهم أحمد بن عبدالوارث، وينقل ابن حزم عن أستاذه هذا فائدة نادرة في اختراع والده طريقة كتابة يستطيع الأعمى قراءتها بعد التدريب. يقول ابن حزم في رسالة "التقريب لحد المنطق": "ولقد أخبرني مؤدبي أحمد بن محمد بن عبدالوارث-رحمه الله- أن أباه صوّر لمولود كان له أعمى، ولد أكمه، حروف الهجاء أجراما من قير، ثم ألمسه إياها حتى وقف على صورها بعقله وحسه، ثم ألمسه تراكيبها، وقيام الأشياء منها، حتى تشكل الخط، وكيف يستبان الكتاب، ويقرأ في نفسه. ورفع بذلك عنه غمة عظيمة. وأما الألوان فلا سبيل إلى ذلك فيها، وليس إلا الإقرار بما قام به البرهان وإن لم يتشكل في النفس أصلا". والقير: مادة تذاب فيصنع منها القار. وشبيه بهذا ما فعله زين الدين الآمدي علي بن أحمد بن يوسف بن الخضر الحنبلي (714 هـ)، وهو مهندس وفقيه ولغوي حنبلي المذهب، كان ورّاقا يبيع الكتب، وكان أعمى البصر، فوضع طريقة يعرف بها أسعار الكتب. يقول الزركلي عنه: "كان كلما اشترى كتابا أخذ ورقة وفتلها فصنعها حرفا أو أكثر، من حروف الهجاء، لعدد ثمن الكتاب بحساب الجمل، ثم يلصقها على طرف جلد الكتاب، ويجعل فوقها ورقة تثبتها، فإذا غاب عنه ثمنه مس الحروف الورقية فعرفه". وعلق في الهامش: "وفي المجلد السادس من مجلة المقتبس بحث لأحمد زكي باشا قال فيه: إن زين الدين الآمدي سبق برايل إلى اختراع طريقته في الكتابة بنحو 600 سنة؛ لأن برايل الفرنسي اخترع طريقته في نحو سنة 1850م". ومن الواضح أن والد شيخ ابن حزم سابق عليه بفترة طويلة، ثم إن الطريقة التي فعلها أكثر دقة، وأقرب إلى طريقة برايل من طريقة الآمدي.