الأعمش الظريف
سليمان بن مهران، أبو محمد الأسدي (61 - 148هـ) إمام محدث ثقة حافظ من كبار علماء الإسلام، أخذ عنه العلم خلائق لا تحصى. ويلقب بالأعمش لضعف في بصره. كان تقيا ورعا زاهدا، وكان فيه ظرف شديد، ونزق في بعض الأحيان. وله نوادر وطرائف جمعها العالم الجليل الدكتور أحمد الضبيب في كتيب سماه "الأعمش الظريف".
ومن بين هذه الطرائف:
جرى بين الأعمش وزوجته كلام نشب على أثره خلاف بينهما، وكان يأتيه رجل يُقال له: أبو البلاد، كفيف البصر، فصيح اللسان، فقال الأعمش: يا أبا البلاد، امرأتي نشزت علي، وأنا أحب أن تدخل عليها فتخبرها بمكاني من الناس وموضعي عندهم، فدخل عليها وكانت من أجمل نساء الكوفة، فقال لها: إن الله قد أحسن قسمك، هذا شيخنا وسيدنا، وعنه نأخذ أصل ديننا وحلالنا وحرامنا، فلا يغرّنك عموشة عينيه، ولا خموشة ساقيه، فغضب الأعمش، وقاطعه قبل أن يكمل قائلا: يا أعمى يا خبيث، أعمى الله قلبك كما أعمى عينيك، قد أخبرتها بعيوبي كلها، اخرج من بيتي.
وكان يكره الثقلاء فسأله أحدهم مرة: مم عمشت عيناك؟ قال: من النظر إلى الثقلاء. قال قيس بن الربيع: كنا عند الأعمش فدخل استثقالا لنا، فما لبث أن خرج فقال: فررت منكم إلى البيت فإذا ثم من هو أثقل منكم، فرجعت إليكم. يعني زوج ابنته. وقال الربيع بن نافع: كنا نجلس إلى الأعمش فيقول: في السماء غيم. يعني ها هنا ثقيل نكره حضوره. ومرض الأعمش فجاءه الإمام أبو حنيفة يعوده فقال له: لولا أن أثقل عليك يا أبا محمد، لعدتك والله في كل يوم مرتين. فقال له الأعمش: والله يا ابن أخي، أنت ثقيل علي وأنت في بيتك، فكيف لو جئتني في كل يوم مرتين. وعاده أقوام في مرضه، فأطالوا الجلوس عنده، فأخذ وسادته وقام، ثم قال: شفى الله مريضكم فانصرفوا.
ومن نوادره: أنه طال شعره جدا، فقال له أحد تلاميذه: يا أبا محمد: ما يمنعك أن تأخذ من شعرك؟ قال: كثرة فضول الحلاقين، فقال التلاميذ: أنا آتيك بحلاق لا يكلمك أبدا.
وكان للأعمش كلب، فإذا جاءه طلبة العلم ليأخذوا عنه الحديث أرسل فيهم الكلب فيفروا، وفي يوم جاءوا فلم يجدوا الكلب، ودخلوا على شيخهم الأعمش وهو يبكي فسألوه لماذا فأجابهم: إن الذي كان يأمر بالمعروف قد مات. يقصد أن كلبه الذي يطردهم مات.
ولفت نظري قوله في السماء غيم، فالكناية عن وجود ثقيل أو رقيب بهذه الجملة قديم.