سداد الدين بالدين

توشك الإجازة أن تبدأ ويبدأ معها الترتيب الفعلي لتطلعات وأحلام السفر. بعض هذه الأحلام تنجح في التحول إلى إجازة حقيقية تبدد رتابة العمل والدراسة، ومنها ما يفشل في اجتياز اختبارات التخطيط والإعداد وينتقل للسنة التالية كحلم مؤجل لم يحقق. توفير المبلغ المطلوب من أهم هذه الترتيبات المسبقة التي تحدد في الأغلب أسلوب ومكان السفر.
يعتاد البعض على الاستدانة لمواجهة ترتيبات السفر، والاستدانة للأغراض الترفيهية خطوة مالية سلبية بغض النظر عن قدرة الشخص على السداد. وقد تعد مثل هذه الخطوة سلبية من عدة نواح أخرى، اجتماعيا وتربويا على سبيل المثال.
المشكلة الكبرى، أن بعض الذين يفكرون في السفر بجدية يجدون أنفسهم غير قادرين على الاستدانة بالمرة، فجيوبهم محملة بالعهود والمواثيق والالتزامات بدلا عن النقد والسيولة. بل إن بعضهم كان قد تورط بين ثلاثي شرس: قرض عقاري، وآخر شخصي، إضافة إلى مجموعة من الديون المنوعة الواجبة السداد لأقربائه وأصدقائه. والمشكلة الأعظم، أن هؤلاء يقومون باتخاذ قرارات حياتية مصيرية تزيد من المشكلة دون أن يستشيروا أو يدرسوا الموضوع بعناية.
بغض النظر عن مسببات المشكلة التي قد تصل إلى استغلال المقرض للمقترض، واستغلال حاجته وجهله ــــ ومن ذلك ما يستحق المحاكمة والعقاب ــــ إلا أن الحلول تبدأ دائما من المقترض نفسه.
يسارع بعضهم بالتجول بين المقرضين، في محاولة منه لاستغلال الفوارق التنافسية التي قد تمكنه من حفظ بعض الريالات شهريا. فهو يقوم بالاستدانة لسداد قرضه الحالي، صانعا قرضا جديدا أقل في مقدار العمولة أو القسط، وعلى الأرجح أطول في فترة السداد. وعلى الرغم من أن بعض عمليات إعادة الجدولة تكون حسابيا من مصلحة المقترض، إلا أنها ليست الطريقة الوحيدة الملائمة لمعالجة هذه الإشكالية، وحتما ليست الأولى والأهم؛ ولا ننسى الإشارة إلى الإشكالية الشرعية الموجودة في سداد القرض بقرض.
ست نقاط تقوم عليها معالجة قضايا الديون الشخصية وتمثل المخرج الأفضل من مشكلاتها التي لا تنتهي. تبدأ في الأساس بتطبيق حلول ثقافية معرفية قبل المعالجة الوقتية بسداد الدين بالدين.
أولا، لابد من الاستعداد لدخول فترة انتقالية تبني جسر التحول بين الأسلوب الحياتي السابق الذي صنع هذه الديون والأسلوب الجديد الذي سيخفيها. قد تقتصر هذه الفترة على بضعة أسابيع وقد تطول لعدة أشهر.
ثانيا، الاستعداد النفسي والعملي لتغير أسلوب الصرف والتعامل مع احتياجات الحياة. الديّن مجرد صورة كئيبة لمشترياتنا ومصاريفنا، هو انعكاس لأسلوبنا الاستهلاكي. إذا لم يتغير أسلوب الصرف ــــ وثقافتنا تجاهه ـــ فلن تختفي الديون.
ثالثا، على المقترض أن يبحث عن مصدر دخل يحسِّن به من دخله. المعادلة بسيطة جدا، ستصبح أكثر قدرة على سداد ديونك إذا رفعت من الفارق بين دخلك ومصاريفك. أسرع طريقة لتوسيع هذه الفارق تكون بالعمل المزدوج على زيادة مصادر الدخل والتقليل من المصاريف في الوقت نفسه. لا تعني الإنجازات المؤقتة ولا الأحاديث والأحلام أي شيء هنا، فهو ليس رجيما خاصا لـ 30 يوما. من المهم أن نكتسب تلك العادات الإيجابية التي تستمر لفترات طويلة وتملك تأثيرات كبيرة في قائمة الدخل والمصاريف الشخصية. سواء كانت عن طريق الحصول على عمل آخر جانبي أو الاستثمار المدر للربح أو البدء بمشروع صغير ومعقول.
رابعا، لابد من التخلص من الديون عالية التكلفة، فكلما زادت العمولات والرسوم اكتسب الدين المزيد من خصائصه المزعجة الماحقة للنفع. وهذا لا يحصل إلا بفهم تأثيرات الدين على المدى الطويل، ومعدل تكلفة الدين في السوق، ومدى عدالة الصفقة المرتبط بها. وعلى العكس تماما نجد أن للجمعيات "جمعيات الرواتب" والقروض الحسنة بركة عجيبة تؤدي الغرض وتؤكد المودة وتنتهي في مدد قصيرة ومعقولة متى تم احترامها والالتزام بها. إعادة جدولة الديون وجمعها في سلة واحدة وتغيير كثير من ملامحها المزعجة أمر ممكن أن يصبح أسهل وأكثر فائدة بعد الاستشارة والدراسة بعناية.
خامسا، تقدير القيمة العائدة من الاقتراض وأخذها في الاعتبار عند اتخاذ القرار. يرتبط الاقتراض في معظم الحالات بالتقديم الزمني لمنفعة محددة أو تعويض تأخير تسببنا فيه. القيمة الزمنية التي نكسبها هي ما نوقع عليه عند الاقتراض ونرضى بالحصول عليها والاستمتاع بها مقابل الالتزام المادي اللاحق لفترات طويلة جدا.
سادسا وأخيرا، أن تتم ممارسة بقية المهارات الضرورية في الإدارة المالية الشخصية، مثل التخطيط المسبق وتحديد الأهداف المالية والانضباط والرصد والترتيب ومعرفة الالتزامات جيدا. دون ذلك لن تنتهي المشكلة، والحصيف من يستطيع تحويل بعض أو معظم هذه المهارات إلى عادات يمارسها بانتظام وينعم بنتائجها دون أن يتعب نفسه ويُتعب من حوله معه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي