عقد «خالصة»
يقول الشاعر:
لقد ضاع شعري على بابكم كما ضاع در على خالصة
والدر: العقد، من الجواهر، والبيت شهير عند أهل الأدب، نسبه الفخر الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" للفرزدق في معشوقة سليمان بن عبدالملك، ونسبه بديع الزمان الهمذاني في مقاماته والبيروني في كتابه "الجماهر في معرفة الجواهر" لأبي نواس في جارية هارون الرشيد، وهو الأشهر. وللبيت قصة مفادها أن الشاعر أبا نواس مدح الخليفة هارون الرشيد بقصيدة، لكنه لم ينل جائزته، أو تأخرت عليه، وكان عند الرشيد جارية سوداء محظية، ومقربة لديه اسمها خالصة، تلبس عقدا ثمينا، فقال أبو نواس متحسرا على ضياع شعره بباب الخليفة:
لقد ضاع شعري على بابكم كما ضاع در على خالصة
وبلغ البيت خالصة، ولا شك أن الجواري سررن به حسدا لها، فشكت أبا نواس إلى الخليفة، فاستدعى شاعرنا وعاتبه ولامه على هذا البيت، فاعتذر أبو نواس بأن الخطأ وقع من الراوي بظنه الهمزة عينا، وأن صحة البيت هكذا:
لقد ضاع شعري على بابكم كما ضاع در على خالصة
فأعجب الرشيد بحسن تخلصه، واستحسن مواربته، وأظهر الرضا. وكان في المجلس أحد الأدباء فقال: هذا بيت قلعت عيناه فأبصر.
يقول البيروني مبينا أن الأمر لم يخف على الخليفة: "فأظهر الرضا به منخدعا للتكرم ومرضيا للشاكية، ومتى يذهب ذلك على مثل الرشيد وهو من جهابذة الشعر".
وتروى لأبي نواس مع هارون الرشيد قصص عديدة، كثير منها لا يصح، وذكر أحد المؤرخين أن أبا نواس لم يلتق الرشيد سوى ثلاث مرات.