كتاب «الآداب» لجعفر بن شمس الخلافة

كتاب «الآداب» لجعفر بن شمس الخلافة

من يلتق الدكتور عبد الرحمن بن ناصر السعيد يشعر بأنه أمام أنموذج متميز في المعرفة والعشق لتراثنا العربي، وهو من خيرة الباحثين الذين يفهمون هذا التراث فهما عميقا، كما أنه جمّاعة للمخطوطات ونوادر الكتب، يبحث عنها في كل مكان ويرحل في طلبها. وقد عرفته منذ كان طالبا فرأيت فيه ولعا نادرا بالعلم والمعرفة، وكم استفدت أنا وغيري من معلوماته الرائعة.
وللدكتور السعيد بحوث وتحقيقات متعددة، إلا أنه مقل في النشر، ومن بين أعماله تحقيق كتاب "الآداب" لجعفر بن شمس الخلافة. والكتاب مطبوع سابقا، إلا أن ناشره اعتمد على نسخ ناقصة. وفي العرض الآتي يتبين لنا الجهد الذي بذله محققه الدكتور السعيد. يندرج هذا الكتاب "الآداب" تحت المختارات الأدبية. فليس للمصنف فيه أثر كبير سوى الاختيار. ويختلف ظهور شخصية المصنف من كتاب إلى آخر. ويعتمد الاختيار على ثقافة المصنف، وطريقة التبويب، والمختارات الأدبية سواء نثرية أو شعرية أو الجمع بينهما مظهر ثري في تأريخ التراث الإسلامي ولم ينقطع في عصر من العصور. وقد بين المصنف في المقدمة موضوع الكتاب فقال: "فإن ألطف الكلام موقعا، وأشرفه موضعا كلمة حكمة يقتدي الإنسان بسناها فيهتدي، ويتبع هداها فيرتدع، ومثل سائر يغني بإيراده في المحافل عن ألفاظ يؤلفها، ومعان يتكلفها، وينزل صاحبه من العلم فوق منزلته، ويجعل من الأدب في أعلى من مرتبته. وقديما قد قيل: (يكفيك من الأدب أن تروي الشاهد، والمثل)". وتعددت موضوعات الكتاب من حكم عامة، وفصول في السياسة والملوك وما يتعلق بهم، وفصول في بعض الظواهر الاجتماعية الفاسدة كالحسد، والغيبة، والكبر. وفصول أخرى في الخصال الحميدة كالتواضع، والحض على الإخوان، والاستشارة.
واشتمل الكتاب على مجموعة من الأبيات التي يحتاج إليها الأديب للاستشهاد بها في ما يناسبها.
وقد جدد المصنف في طريقة التأليف حيث جعل القسم الأول خالصا للنثر، والثاني خالصا للشعر. وابتكر فصولا كـ "فصل إذا"، و"فصل من"، وفصل "لو ولولا". وأما قيمته الشعرية فإنه قد حفظ لنا أكثر من 1200 بيت شعر. ولو فصل القسم الثاني وحده لصار في عداد المجموعات الشعرية.
ومن قيمته الشعرية أنه حفظ لنا أبياتا للمصنف نفسه ليست متوافرة في مصادر أخرى. وللكتاب أثر في المصنفات بعده ككتاب "الدر الفريد في بيت القصيد" لمحمد بن أيدمر. وهذا كتاب ضخم جمع الأبيات المفردة ورتبها على أوائل حروف الأبيات. وكتب في الحاشية تكملة بعض القصائد، وما في معنى بعض الأبيات؛ وقد اعتمد على كتاب "الآداب" وأشار إلى ذلك في اختلاف نسبة بعض الأبيات. وقد نسب هذا الكتاب وهما إلى الثعالبي، كما ورد في خمس نسخ مخطوطة أن الكتاب للثعالبي. نال الدكتور عبدالرحمن بن ناصر السعيد درجة الماجستير بتحقيقه لهذا الكتاب من كلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. واطلع على 19 نسخة اختار منها أربع نسخ معتمدة في التحقيق: نسخة دار الكتب المصرية، ونسخة الأحمدية في حلب، ونسخة نور عثمانية في إسطنبول، ونسخة الظاهرية في دمشق. وكان المحقق قد وقف على نسخة مجهولة المصنف في دار الكتب المصرية وهي برقم (5989) أدب. وتقع في 80 ورقة، فقدت الورقتان الأولى والثانية. وهي مكتوبة بخط نسخي معتاد. وهذه النسخة منسوخة عن نسخة المصنف. وقد نسخت سنة 671هـ من نسخة للأصل بخط المصنف. وهذه النسخ هي أتم النسخ وآخرها، وبناء عليها زادت مادة الكتاب على الكتاب المطبوع؛ ففي المحققة زيادات ليست في المطبوعة: فعدد الفقرات النثرية في المحققة (1349) فقرة وهي في المطبوعة بترقيم المحقق (1231) فقرة.
فعدد الفقرات النثرية الساقطة: «118» فقرة. وعدد الفقرات الشعرية في المحققة (233) فقرة في (589) بيتا. وعدد الأبيات المفردة (787) بيتا، وعدد الأعجاز (439) عجزا. وعدد الفقرات الشعرية في المطبوعة (214) فقرة في (536) بيتا. وعدد الأبيات المفردة (319) بيتا، وعدد الأعجاز (266) عجزا. يقول المحقق: "ومهما ذكرت من مآخذ على الطبعة فإنه لا قياس بيني وبينه؛ وذلك أنه طبع الكتاب في عصر كانت الفهارس غير مرتبة كما هي الآن، ولم يستخدم الحاسب الآلي، وأمور السفر ليست متيسرة كما هي الآن. فقد قيض الله لي ــ والحمد لله ــ ما لم يتيسر للخانجي، فمن الإجحاف أن أنكر فضله، أو أن أعد المآخذ عيبا عليه، ويكفيه فخرا أنه نشر كتبا عظيمة فخطؤه مغمور في بحر فضله".
وقد نشر الدكتور السعيد هذا الكتاب أخيرا، وصدر في مجلدين ضخمين عن دار أروقة للنشر، وحظي بإقبال جيد من القراء، خاصة المهتمين بالأدب والتراث.

الأكثر قراءة