مسؤولية تفعيل الاستفادة من استخدام تقنية المعلومات

تتغير العصور بتغير بيئة الحياة التي يعيشها الإنسان، وتتغير هذه البيئة بتغير الوسائل المتاحة له، وبتطور أساليب استخدامه لها. وإذا كان للقوة دور في تغيير العصور عبر التاريخ، فإن هذه القوة كانت تأتي من الوسائل المتاحة، وتأتي أيضا من أساليب استخدامها بكفاءة وفاعلية.
عاش الإنسان عصر الصيد، وصنع واستخدم وسائل من الحجارة، ومن البرونز، ومن الحديد للصيد والقتال، بل للبناء أيضا. ثم عاش عصر الزراعة الذي بدأ في الفترة بين "6000 و9000 قبل الميلاد"، وصنع واستخدم وسائل للزراعة والحصاد. وعاش بعد ذلك عصر الصناعة، التي بدأت وازدهرت في الفترة بين منتصف القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر، وصنع وسائل جديدة غير مسبوقة على رأسها "الآلة البخارية" التي أدارت رحى المصانع، وأدارت أيضا عجلة حركة القطارات.
ويعيش الإنسان اليوم بداية عصر المعلومات، حيث تعطي تقنية المعلومات وسائل جديدة تغير بيئة حياة الإنسان أينما كان. وبالطبع لا يلغي أيّ عصر العصر الذي سبقه، بل يكمله ويعزز تقدمه، فوسائل تقنيات المعلومات موجودة في الآلات الزراعية الحديثة، وموجودة أيضا في وسائل ومنتجات الصناعة الحديثة. وإذا كانت الصناعة قد أعطت الإنسان قوة ميكانيكية مكنته حتى من الطيران فوق سطح الأرض، والعبور إلى كواكب أخرى في المجموعة الشمسية، فإن تقنية المعلومات أعطته إمكانات فريدة غير مسبوقة في مجال التعامل مع المعلومات التي تنير العقل وتفعل التفكير وتكسب المعرفة.
تتمتع تقنية المعلومات بقدرة فائقة على تخزين كميات كبيرة من المعلومات ضمن أحجام صغيرة؛ وتقوم بنقل المعلومات عبر المسافات، سلكيا ولاسلكيا، في حال الثبات أو الحركة، بما يستحق وصف لمح البصر؛ وتتعامل معها وتعالجها تبعا لمتطلبات الإنسان بسرعة ربما تتجاوز حتى لمح البصر. وقد أتاحت هذه الخصائص بناء أنظمة معلومات مختلفة لتطبيقات تشمل مختلف مجالات الحياة.
وإذا نظرنا إلى ما تقدمه تقنية المعلومات من مزايا، مقارنة بالتعامل التقليدي مع المعلومات بدونها، فإننا نقول إنها تتعامل مع المعلومات بصورة "أسرع"، وبتكاليف "أقل"، ضمن بيئة عمل "أفضل"، ومستوى أمان "أعلى"، إضافة إلى فتح "آفاق" جديدة لتطبيقات التعامل مع المعلومات بكفاءة وفاعلية، والاستفادة من ذلك في مختلف المجالات. وعلى هذا الأساس، يمكن اختصار هذه الفوائد الأساسية الخمس بالتعبير الرمزي (أ)5.
تقدم أنظمة تقنية المعلومات خدمات كثيرة وغير مسبوقة، تسهم في تميز هذا العصر. وهي كأي تقنية أخرى تحمل سلاحا ذا حدين، حدا يحمل الخير للفرد والمجتمع، وحدا مع الأسف يؤذي الفرد والمجتمع أيضا. والفصل في ذلك يكمن في طبيعة الاستخدام. وبالتالي يكمن في الإنسان وتوجهاته، فالتقنية بصورة عامة وسيلة "محايدة"، وهي أسيرة اليد التي تحملها.
ولعل بين أبرز الأنظمة التي تقدم خدمات خير للجميع أنظمة "التعاملات الإلكترونية الحكومية"، أو ما يعرف مجازا "بالحكومة الإلكترونية". فقد حققت هذه التعاملات في المملكة تقدما متميزا على مستوى العالم. وقد ظهر ذلك في المؤشرات الدولية حول هذا الموضوع، التي تصدر دوريا عن "هيئة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في منظمة الأمم المتحدة UNDESA". تقول هذه المؤشرات في إصدار عام 2014، إن المملكة حققت المركز الـ 36 بين دول العالم المختلفة؛ وكان هذا المركز الـ 80، قبل عشر سنوات، في إصدار عام 2004.
إن حديث تقنية المعلومات حول مختلف جوانبها حديث يطول ويمتد، لكنه لا بد من الإشارة إلى أنه بكل التطور الذي شهدته هذه التقنية، إلا أن أثرها في المجتمع لا يزال في بداياته. وإذا كانت هذه التقنية قد مكنت ابتكار أنظمة وتطبيقات كثيرة انتشرت وأثرت في المجتمع وفي أسلوب حياة الإنسان، فإن هناك أنظمة وتطبيقات أخرى ظهرت ولكن لم تأخذ حظها الكافي من التأثير. ولا شك أن آفاق الابتكار في مجالات أنظمة تقنيات المعلومات مفتوحة على مصراعيها، خصوصا أن فوائدها، (أ)5، تتزايد باطراد.
ويستخدم عدد من "أدلة المعرفة الدولية" مؤشرين مهمين يشجعان على المزيد من الابتكار في مجال تطوير أنظمة وتطبيقات جديدة تستند إلى تقنيات المعلومات. المؤشر الأول هو مؤشر "ابتكار نماذج أعمال باستخدام تقنية المعلومات". وقد تكون نماذج الأعمال المبتكرة هذه منبثقة عن نماذج قائمة يجري تحويلها باستخدام التقنية إلى نماذج أكثر كفاءة؛ وقد تكون نماذج أعمال جديدة غير مسبوقة. ولعل بين نماذج الأعمال المهمة التي تشهد صعودا في الوقت الحاضر، نموذجا ما بات يعرف بـ"الحوسبة السحابية العامة"، حيث تشترك المؤسسات عبر الإنترنت في موقع أو مواقع خدمات حاسوبية، غير منظورة وكأنها في السحاب، لتعزيز تنفيذ أعمالها بكفاءة وفاعلية.
أما المؤشر الدولي الثاني فهو مؤشر "ابتكار نماذج تنظيمية باستخدام تقنية المعلومات". والمقصود بهذه النماذج تلك التي تهتم بما بات يعرف "بالمؤسسات الافتراضية"، و"فرق العمل الافتراضية"، و"العمل عن بعد"، و"العمل من المنزل"، وما إلى ذلك؛ حيث تعزز هذه النماذج توسع الأعمال وتعزيز كفاءتها. فكثير من المؤسسات التي يمكن أن تقدم خدمات مختلفة للناس أو لمؤسسات أخرى، لا يكون لها موقع عمل مادي محدد، بل يكون لها عنوان لموقع على الإنترنت، ويكون عمل أعضاء فريق العمل من أي مكان حيثما وجد القائم على العمل.
وهناك إضافة إلى ما سبق، تحفيز دولي لتطوير المواقع المبتكرة والمفيدة على الإنترنت. فهناك منظمة منبثقة عن "مؤتمر قمة المعلومات WSIS" تقوم بإجراء مسابقات وتقديم جوائز عالمية سنوية لتحفيز العمل على تطوير مثل هذه المواقع.
لا شك أن تقنيات المعلومات قد حملت إلينا الكثير، وهي بإمكاناتها وتطورها المستمر مستعدة للمزيد من العطاء. وعلينا أن نسعى إلى الاستفادة منها على أفضل وجه ممكن. علينا أن نستوعب إمكاناتها، ونكون مستعدين للاستفادة منها. علينا ألا نقيد أنفسنا، على سبيل المثال، بعادات الأوراق والأختام، أو بعادات تحديد مواقع العمل، أو بالاجتماعات المباشرة لأعضاء فرق العمل، وبالذات في الأعمال المعلوماتية التي لا تحتاج إلى ذلك. علينا أن نبدع ونبتكر في إيجاد مواقع متميزة على الإنترنت، في وضع نماذج أعمال ونماذج تنظيم تحمل كفاءة وفاعلية في جميع مجالات الحياة. إن تقنية المعلومات التي أعطت الكثير تستطيع أن تعطي أكثر بكثير، والمسؤول عن ذلك الإنسان أينما كان، ولعلنا نكون في المقدمة بمشيئة الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي