التعليم في وزارة .. والتحديات
تحث الأوامر الملكية الأخيرة، التي شملت كل المجالات التنموية والاقتصادية والإنسانية والسياسة والأمنية في الدولة، على بداية حركة تطويرية وإصلاحية جديدة لعدد من الجهات الإنمائية في المملكة. لعل من أبرز هذه الأوامر دمج وزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم لتكوين وزارة التعليم، وتسنم وزير جديد لقيادتها عُرف باهتمامه بأمور التعليم، ونرجو الله أن يعينه على هذه المسؤولية الكبيرة، التي هو ـــ إن شاء الله ـــ أهل لها. يعمل في قطاع التعليم أكثر من 668 ألف موظف ويستفيد من خدماته ما يزيد على 6.47 مليون طالب وطالبة، حسب ما بينته وكالة الوزارة للتخطيط والمعلومات لعام 1434/1433هـ "وزارة التعليم العالي سابقا"، فإن عدد الطلبة في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا تجاوز 1.2 مليون طالب وطالبة، فضلا عن الدارسين في الخارج، إضافة إلى العاملين في الجامعات من أعضاء هيئة التدريس وإداريين وفنيين، الذي يزيد عددهم على 143 ألف موظف وموظفة. وقد بينت خلاصة التعليم العام في المملكة لعام 1434/1433هـ أن عدد طلبة التعليم العام فاق 5.27 مليون طالب وطالبة، كما يعمل في التعليم العام ما يقارب من 525 ألف موظف وموظفة من معلمين ومعلمات وإداريين. كما خصصت الدولة في ميزانيتها الأخيرة ربع إنفاقها على التعليم، ما يدل على أن التعليم من أولويات مجالات التنمية في الدولة.
تطوير التعليم وإصلاحه عملية متجددة ووجود التعليم في قطاع واحد يجعل تطويره وإصلاحه أمرا ممكنا، ولعل هذا الدمج يقلل من الفجوة الحاصلة بين التعليم العام والتعليم العالي. من غير الممكن إلغاء اختبار القياس لعدم وجود امتحانات معيارية في نهاية المرحلة الثانوية لكل الطلبة والطالبات. ولكن من الطبيعي إعادة النظر في السنة التحضيرية، التي هي في الغالب استكمال للمهارات المطلوبة للتعليم الجامعي، التي لم تحظ بعناية كافية في التعليم العام، حيث يمكن أن يعاد النظر في السنة التحضيرية عن طريق تبني غرس المهارات اللازمة في الطلاب والطالبات بصورة متدرجة في مراحل التعليم، وبالتالي توفير التكلفة الإضافية التي تحدثها السنة التحضيرية. أما متطلبات الكفايات الخاصة بالمعلمين فالأولى أن يتدرب عليها الطلاب في المرحلة الجامعية، ولا يتم منحهم الدرجة إلا بعد التأكد من تدريبهم بمستوى كاف لممارسة التعليم.
الأوامر الملكية السامية، التي لا شك في أنها تهدف إلى خدمة الوطن والمواطنين عامة، ستؤدي إلى إصلاحات هيكلية في منظومة التعليم، التي تمنح بعض الجامعات مسؤوليات ذاتية أكبر. تعتمد كثير من دول العالم على جهة واحدة للإشراف على التعليم، حيث إن الثقل الأكبر في التعليم يتكل على تسخير القدرات والإمكانات بشكل جيد واستغلال المصادر بدراسة وتمعن. لذا، نتطلع بأن نرى صلاحيات أكبر لمجالس الجامعات، التي يجب أن يتمثل فيها العاملون والمستفيدون من خدماتها من أعضاء هيئة تدريس وطلبة والممول الرئيس وهي الحكومة والجهات الموظِفة من شركات ومؤسسات القطاعين الحكومي والخاص وتعمل في العادة على تجانس الجامعات وترابطها عدة هيئات ومؤسسات مثل هيئات التقويم والاعتماد وضبط الجودة ومجالس لتمويل التعليم وهيئات الاعتراف بالشهادات والهيئات المهنية الوطنية، وأن تعمل الجامعات على الارتباط بمحيطها المحلي وخدمة أهدافها الوطنية من خلال أنشطتها المختلفة.
التعليم من أكبر قطاعات التنمية وأفضل الجامعات في العالم تقع في أكثر المدن ازدهارا، ولا يمكن تجاوز دور التعليم في أي دولة. وفي المملكة قطاع التعليم من أكبر القطاعات من حيث التمويل وعدد العاملين فيه والمستفيدين من خدماته.
وكانت ترمي وزارة التربية والتعليم في السابق ووزراة التعليم العالي سابقا، كل منها باللوم على الآخر ضمنا أو صراحة، حيث كانت تضع وزارة التعليم العالي امتحان قياس لعدم ثقتها بقدرة امتحانات الثانوية في التمييز بين الطلاب. وفي المقابل، تفرض وزارة التربية والتعليم امتحان كفايات لعدم ثقتها بقدرة المدرسين على امتلاك الكفايات اللازمة للالتحاق بها. كما أن السنة التحضيرية بدعة اتبعتها كل الجامعات السعودية الحكومية ولا ندري هل هي استكمال للنقص في التأهيل الثانوي، وهي عبارة عن نقص في المناهج أو الطلاب أو المدرسين، أو هي إضافة تهدف إلى رفع الطلاب والطالبات لمستوى اختصت به جامعاتنا، لتوصلنا إلى مخرجات جيدة.
التحديات والتوجهات الجديدة أمام التعليم والتعليم العالي كثيرة وكبيرة جدا، فأساليب التعليم وطبيعة العملية التعليمية تغيرت، وكثير من الجامعات تجاوزت أسوارها، بل تجاوزت مدنها ودولها وكثرت الشهادات المزورة حتى أصبحت الشهادة ليست مقياسا للمعلومات التي يمتلكها صاحبها. واستجدت أساليب التقويم واهتمت المدارس والجامعات بمهارات التعلم وليس التعليم، وتزخر المجلات العلمية ومراكز الأبحاث والمؤتمرات العلمية بالأفكار الجديدة والنقاشات التي تهدف إلى تطوير التعليم. وأصبح التنسيق بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي تنسيقا ذاتيا داخل وزارة التعليم. وعلى وزارة التعليم أن تلبي احتياجات الدولة أولا واحتياجات الخدمة المدنية ووزارة الصحة ووزارة العمل والمجتمع بشكل عام، وأن تقنع المجتمع بمخرجاتها وجدواها الاقتصادية.