ثقافة الشخص المهم
منذ فترة بدأت تتشكل لدينا ثقافة الشخص المهم وهذه الثقافة كغيرها من البضائع المستوردة سواء كانت مادية أو غيرها أتت ومعها آثارها الإيجابية والسلبية، وثقافة الشخص المميز ليست محصورة في مجال، بل إنها في كثير من المجالات، حيث تتمثل في بضاعة صنعت خصيصاً لشخص ذي مميزات محددة، كما أن هذا الشخص ذا المميزات يتم التعامل معه بشكل مختلف عن الآخرين.
من المهم أن نسأل من هو الشخص المميز؟ وهل يكتسب التميز بالوراثة أم بالجهد، والعمل والمثابرة؟ أم أن ثقافة المجتمع هي من تصنف المتميزين عن غيرهم، فهل من يملك ثروة كبيرة يعتبر مهماً، وهل من يحمل المؤهل العالي هو المهم والمميز، أم أن رجل القبيلة وكبير الأسرة هو المهم والمميز؟ كما أن من التساؤلات المهمة بشأن هذه الثقافة، هل المميز في وسط اجتماعي مميز في الأوساط الأخرى؟ وتجدر الإشارة إلى أن ثقافة الفرد المميز ليست محصورة في عمر، بل توجد في الشرائح الاجتماعية كافة، وتنتشر بين الذكور، والإناث، حتى أن الابن يصنف نفسه بالمتميز لتميز والده، ويتطلع للمعاملة نفسها التي يعامل بها والده ولو كان صغيراً، أو ليس له نصيب في التميز على أرض الواقع.
هل لثقافة التميز آثار اقتصادية، وآثار في إدارة الأعمال، والأنشطة؟ ما من شك أن المردود الاقتصادي، والمنافع المادية من أهم الأسباب التي أدت لانتشار ثقافة التميز في كثير من المجتمعات، حتى أصبحت غاية في ذاتها عند البعض ليصنفوا ويوصفوا بالتميز، ويعاملوا وفق ذلك، وأذكر في هذا الصدد أن أحد الأشخاص ممن يعتبر نفسه مميزاً حضر متأخراً لحفل ومناسبة رسمية، فلم يجد مقعداً في الأمام، فاضطر للجلوس في المقاعد المتأخرة، وعاب على المنظمين عدم حجز مقعد له رغم مجيئه المتأخر.
القيمة الاقتصادية لثقافة التميز حفزت المنتجين، ومقدمي الخدمات لإبداع أفكار خدمية، وبضائع تكون هدفاً لفئة مخصوصة من الناس لأنهم هم من يستطيعون اقتناءها، ودفع تكاليفها، كما في حالة الفنادق الفخمة، والعالية التكاليف أو تحديد أدوار وأجنحة خاصة في بعض الفنادق، أو طاولات في المطاعم، كما أن منتجي السيارات أخذوا ينتجون سيارات بتصاميم خاصة، ومميزة تلفت الانتباه، وتدل على خاصية التميز لصاحبها بغض النظر هل هو تميز حقيقي، أم وهمي، وينسحب على هذا تخصيص مواقف خاصة للمميزين ويحرم منها الآخرون. وبهدف تحقيق المنافع الاقتصادية أصبح مفهوم التميز يوظف في الدعاية لخلق، واستنبات شعور التميز، وتنميته لدى الأفراد حتى ولو كان وهمياً، وليس له أساس في واقع الفرد، وذلك لما يحدثه الشعور بالتميز من اختلاف عن الآخرين.
واستجابة لهذه الثقافة وجدت مدارس، ومستشفيات، وكثير من الخدمات التي أصبحت خدماتها مقتصرة على فئة معينة لا تقدم لغيرها من شرائح المجتمع الأخرى، وهذا بدوره أحدث خللا في نوع وجودة الخدمات المقدمة حتى ربطت جودة الخدمات بمقدار ما يدفع من المال، ولذا يتم الحديث عن غرفة مستشفى خمس نجوم، ومقهى، ومطعم، وربما نجد ورشة سيارات أو كهربائيا أو سباكا.
ما من شك أن فرقاً شاسعاً بين الاحترام، والتقدير الذي أكد عليه الإسلام، والثقافة المتوارثة في احترام الكبير وحملة العلم احتراماً لسنهم، أو للعلم الذي يحملون "ليس منا من لم يوقر كبيرنا" وهذا ما نلمسه في إجلاس الكبير وذي العلم في صدر المجلس، والاستماع له حين يتحدث، أما التميز فإن الخدمة والاهتمام الذي يحظى به في الغالب يكون بمقابل مالي أو بهدف الحصول على حظوة عنده إن كان من ذوي المناصب الرفيعة.