Author

ابتكار المستقبل

|
الحصول على وظيفة في الإدارة الحكومية أو القطاع الخاص هو الهدف المحوري لكل طالب. وهو أيضا محور العملية التعليمية منذ بداية التعليم الرسمي، في المملكة ومعظم البلدان العربية. لقد اعتدت على سؤال الشباب عن مشروعاتهم الحياتية بعد التخرج، ووجدتهم جميعا متفقين على جواب واحد هو "البحث عن وظيفة". كنت أسألهم دائما: لماذا لا تنشئ مشروعك الخاص؟ فيعتذر أغلبهم بعدم توافر رأس المال الكافي. لكني أعلم أن هذا ليس سببا حقيقيا في أغلب الحالات. ثمة مئات من الأعمال يمكن إطلاقها برأس مال صغير جدا، وثمة ــــ إلى جانب هذا ــــ عدد معقول من مؤسسات الإقراض التي تدعم المشاريع الصغيرة. في سوق نشطة وسريعة التوسع مثل السوق السعودي، يمكن للشبان الأذكياء أن يجدوا 100 فرصة وفرصة، لو بحثوا عنها. المشكلة تكمن في النسق المعيشي وفي فلسفة التعليم والعرف الاجتماعي، وهي جميعا تفترض ــــ على نحو ضمني أو صريح ــــ أن نضج الفرد وانضمامه إلى الحياة العامة يبدأ بالعمل أجيرا عند الدولة أو عند شركة قائمة. يرتبط هذا بغياب مفهوم الاختيار والابتكار في ثقافتنا العامة، الذي يعني ــــ في وجهه الآخر ــــ ذهنية المغامرة وتحمل المسؤولية الكاملة للخيارات الشخصية. أظن أن معظم الناس في بلدنا لا يربون أبناءهم على مواجهة التحديات واختيار طريقهم بأنفسهم، وتحمل أعباء قراراتهم. النظام التعليمي هو الآخر لا يعزز في الطالب روحية المغامرة والبحث عن الخيارات المختلفة، والسعي وراء المجهولات وابتكار المستقبل الشخصي، بدل تقليد خيارات الآخرين. خلال الـ 30 عاما الماضية تبنى معظم الدول الأوروبية فكرة دفع الشباب إلى إنشاء أعمالهم الخاصة. ليس فقط لأنها تعالج مشكلة البطالة، بل لأنها ــــ أيضا ــــ تعزز فرص الإبداع والابتكار، ولا سيما في مسارات الاقتصاد الجديد. وطبقا للإحصاءات المتوافرة فإن أربعة ملايين بريطاني يملكون أعمالهم، وهو رقم يعادل 14 في المائة من إجمالي قوة العمل في ذلك البلد. وثمة 15 مليونا مثلهم في الولايات المتحدة، يشكلون نحو 11 في المائة من قوة العمل. أما في بلد مثل تركيا فيقال إن نسبة العاملين لحسابهم الخاص تزيد على 40 في المائة من إجمالي قوة العمل. لا نستطيع طبعا إقناع الناس جميعا بإنشاء عملهم الخاص. لكنا نستطيع إعادة النظر في التوجيه التربوي والإعلامي، وصياغته من جديد على نحو يشجع الشباب على التفكير في هذا الخيار. تعقد جامعاتنا ما يسمى يوم المهنة في كل عام، وغرضه دفع الطلاب إلى الوظائف. ماذا لو عقدنا يوما للمشاريع الصغيرة، غرضه دفع الشباب نحو ابتكار وظائفهم وأعمالهم وخوض التحدي؟ يمكن للشباب أن يضخوا روحا جديدة في الاقتصاد الوطني لو أصبحوا من صناعه. هذا ليس حلا لمشكلة البطالة فحسب، بل هو أيضا أداة للتنمية الاجتماعية وصناعة المستقبل.
إنشرها