الجهاديون الأستراليون.. القلق مستقبلا ليس من عودتهم بل من علاقاتهم

الجهاديون الأستراليون.. القلق مستقبلا ليس من عودتهم بل من علاقاتهم
الجهاديون الأستراليون.. القلق مستقبلا ليس من عودتهم بل من علاقاتهم

أثارت صور نشرها الجهادي الأسترالي اللبناني الأصل خالد شروف على مواقع التواصل الاجتماعي قلقا وغضبا عارمين، بعد عرضه لصورة نجله يحمل رأسا مقطوعة وصورا أخرى له في ثياب عسكرية وبيديه رؤوس مقاتلون. هذه الصور تلقي الضوء على الدور المتصاعد للجهاديين الأستراليين في الحرب في سورية والعراق.

تكاثرت تغريدات وصور شروف الذي يُعتقد أنه يقاتل في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميا بـ"داعش"، وبجواره صور رؤوس جنود سوريين مقطوعة ويحمل اثنين منها وهو مبتسم للكاميرا، وصور أخرى لرؤوس مقاتلين معلقة على درابزين معدني.
ويعتقد أن صورة الطفل التي تسببت بصدمة في المجتمع العالمي، التي قام موقع "تويتر" بحذفها، قد أخذت في مدينة الرقة السورية، وهي واحدة من معاقل تنظيم داعش، الذي ينتشر في الوقت الحاضر بين سورية والعراق، حيث اصطحب الرجل الأسترالي ابنه معه للقتال إلى جانب التنظيم.

وبحسب ما تظهره المعلومات الواردة في الصحف الأسترالية، فإن شروف، والد الطفل الظاهر بالصورة، هو من مواليد عام 1981، من أبوين أصلهما من شمال لبنان، وكانت علاقته بوالده مضطربة وعنيفة، أمضى سنوات طويلة من شبابه في المحاكم، وسبق أن صدر بحقه حكم في قضية تتعلق بالإرهاب عام 2009 بعد أن وجد المحققون في حوزته بطاريات وساعات لاستخدامها في صنع متفجرات لتنفيذ عمل إرهابي. وذُكِر أن شروف يعاني من "تفاقم حاد لمرض انفصام الشخصية" وكان يخضع للعلاج.

وقبل انضمامه إلى الحركة الإرهابية، كان يعمل عامل بناء في أستراليا. وقد اعتقل ضمن مجموعة تضم تسعة أشخاص بعد سلسلة من عمليات السطو على عدد من المنازل والمحال التجارية ضمن عملية Pandanus، في محاولة لبدء "حرب جهادية" في أستراليا.
صدر بحق شروف حكم بالسجن لمدة خمس سنوات بحسب الصحف الأسترالية.
وخلال المحاكمة، قدمت زوجته "تارا نيتليتون" شهادة خطية قالت فيها، إنها وخالد قد تحدثا عما يريدان القيام به مرة واحدة أطلق سراحه من السجن. وفي ذلك الوقت، كان للزوجين أربعة أطفال. وبعد إطلاق سراحه، اصطحب شروف عائلته إلى سورية.

شروف هو واحد من أمثلة كثيرة. إذ تعتقد السلطات أن نحو 150 شخصا أستراليا يقاتلون حاليا إلى جانب "داعش" في العراق وسورية، ما يجعل البلاد المُساهم الأكبر من حيث توريد المقاتلين (per capita contribution). غير أن الدكتور روجر شانهن، الباحث في الشؤون الأمنية في الجامعة الأسترالية الوطنية "National Australian University" يعد أن هذا الرقم ليس مؤكدا، لأن السلطات تعتقد أن نحو 60 شخصا استرليا يقاتلون في سورية، وقد سحبت السلطات الجنسية من نحو 60 أستراليا تورطوا في الحرب؛ "أما العدد 150 فيشير إلى المؤيدين للحركات المتطرفة".

أورد الباحث "اندرو زميت" من مركز أبحاث مكافحة الإرهاب (combating terrorism Center) أنه قد تم التبليغ عن ست حالات لأستراليين لقوا حتفهم أثناء القتال في سورية خلال العام المنصرم، والرقم ارتفع في الأشهر الماضية ليبلغ 12 حالة، وفق تقديرات الدكتور "شانهن. روجر عباس" وهو واحد من هذه الحالات. وهو مواطن أسترالي قتل في سورية في أكتوبر 2012، وكان في الثالثة والعشرين من العمر، من ملبورن، من أصول لبنانية، وهو بطل في لعبة الكيك بوكسينغ ( Kickboxing)، ويعتقد أنه في البداية دخل سورية عبر تركيا للقيام بأعمال الإغاثة. غير أن المنتديات الجهادية الرسمية مثل "أنصار المجاهدين" و"شموخ الإسلام" ادعت أنه كان يقاتل مع "النصرة".

وبناء على دراسة الباحث "اندرو زميت" في كانون الأول (ديسمبر) 2012، قتل رجل آخر في سورية، يوسف طبرقية وهو من ملبورن وكان في الـ30 من العمر، متزوج، ومن أصل تركي، وقد تم رصده من قبل السلطات الأسترالية منذ عام 2010. ظهر في شريط مصوّر على يوتيوب نشرته كتائب الفاروق وأشارت إليه باسم "أبو الوليد الأسترالي"، وهو يستعمل الأسلحة والصواعق. وصل طبرقية إلى تركيا في منتصف عام 2012، ومثله مثل عباس، يبدو أنه لم يكن لديه في البداية أي تواصل مع الجماعات المتمردة السورية.
#2#
ويشير الدكتور "شانهن" إلى أن أكثرية الجهاديين الأستراليين لا يلعبون دورا بارزا في الحركات الجهادية التي انضموا إليها ما عدا بعض منهم، الذين تمكنوا من احتلال مواقع مهمة مثل أبو سليمان المهاجر. أبو سليمان المهاجر المعروف أيضا باسم بلال خزعل مسؤول كبير مختص في الشريعة الإسلامية في جبهة النصرة حسب شريط فيديو نشر في 17 آذار (مارس) من هذا العام، كجزء من حملة دعائية ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام. وقد وُصف أبو سليمان المهاجر كوسيط أرسله تنظيم القاعدة لمحاولة إنهاء الخلاف بين "داعش" و"النصرة". قبل وصوله إلى سورية، كان أبو سليمان معروفا بجهوده لتجنيد الجهاديين في أستراليا جنبا إلى جنب مع رجال الدين المتشددين الآخرين، "بشر أبو سليمان، في مركز بيع الكتب والمجتمع الرسالة في سيدني".

وكان أبو سليمان يُفهم أتباعه بأنهم ملزمون بالانضمام إلى الجهاد في سورية، وإلا فعليهم تقديم "التبرعات السخية" إلى "المجاهدين" هناك.
الحرب في سورية ليست ساحة الصراع الأولى للمجاهدين الأستراليين، بحسب قول زميت. فقد توجه نحو 20 أستراليا لإجراء تدريبات في مخيمي القاعدة في أفغانستان وفي مخيمات عسكر الطيبة في باكستان (Lakshar Taiba). وبين 2002-2012 تم القبض في لبنان على 16 شخصا أستراليا على الأقل أو اتهموا غيابيا، بسبب مشاركتهم في الأنشطة الجهادية المزعومة وتورطهم مع "عصبة الأنصار" و"فتح الإسلام" وهما (حركتان فلسطينيتان ذات توجهات متشددة).

وفي أعقاب الغزو الإثيوبي للصومال عام 2006، سافر عدد من الأستراليين يقدر عددهم ما بين 10 إلى 40 إلى الصومال للقتال. هذا فضلا عن مؤشرات تدل إلى تورط أستراليين في النشاط الجهادي في اليمن وبالتحديد خلال عام 2010، بحسب زميت.

إنما ما يميز الصراع السوري عن ساحات القتال الأخرى الذي شارك الأستراليون فيها، هو حجم انخراط المجاهدين الأستراليين الذي هو أكبر بكثير.تسهم عدة عوامل في تفسير هذه الحالة الإرهابية وارتفاع أعداد المجاهدين من أصل أسترالي بحسب زميت. السبب الأول هو عدد اللبنانيين حاملي الجنسية الأسترالية الذين اعتنقوا الجهاد في سبيل الله في سورية. ذلك أن ثمة روابط تاريخية بين اللبنانيين الأستراليين وأكثرهم من منطقة شمال لبنان والريف السوري. ثانيا، التواصل مع المسرح السوري أسهل بكثير من بلدان أخرى حيث يحتاج المقاتلون إلى صلة وصل، كما أن النفاذ إلى سورية أسهل بسبب استعمال تركيا "كنقطة انطلاق". ذلك أن العديد من المقاتلين الأستراليين يبدو أنهم يدخلون عبر الحدود التركية.

ثالثا، الصراع السوري لديه صدى واسع النطاق. يقول زميت إن "استمرار المجازر هناك والفشل الواضح للمجتمع الدولي بمنعها ولّدا غضبا واسعا وسمحا للجماعات الجهادية كجبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، بتقديم أنفسهم كأفضل قوات قادرة على الدفاع عن المسلمين السنة وبجذب الأشخاص الذين في البداية ربما لم ينووا الانضمام إلى هذه الجماعات".بحسب الدكتور "شانهن" أن الخطر الكبير لا يكمن فقط في عودة المجاهدين إلى أستراليا، "لأن الكثير منهم سيتجه إلى ساحات حرب أخرى كالعراق وغيرها". لكن الخطر الأكبر يتمثل في العلاقات التي سيبنيها الإرهابيون بين بعضهم بعضا، التي قد يستعملونها في المستقبل البعيد لشن عمليات إرهابية على نطاق عالمي.

الأكثر قراءة