ريادة الأعمال الاجتماعية ورمضان المقبل
هناك عديد من رواد الأعمال الاجتماعيين الذين استطاعوا استغلال الموارد المتاحة لهم وإحداث تغيير نافع في مجتمعاتهم. من أبرز رواد الأعمال الاجتماعيين الدكتور محمد يونس الذي استحق جائزة نوبل للسلام في عام 2006 عن محاولته معالجة مشكلة الفقر المدقع في بنجلادش لكثير من العائلات، عبر إنشائه بنك جرامين. اسم آخر لامع في سماء ريادة الأعمال الاجتماعية هو الدكتور عبد الرحمن السميط الذي استطاع ــ بموارد محدودة ــ أن يبني 860 مدرسة وأربع جامعات وأكثر من 200 مركز إسلامي، كما استطاع أن يحفر أكثر من 9500 بئر ارتوازية في إفريقيا.
هناك توجه رائع لكثير من الشباب السعودي للتطوع والإسهام في الأعمال الاجتماعية، حيث تجدهم يتسابقون في مشاريع مثل إفطار صائم، التبرع بالدم، التعليم.. وغيرها من المشاريع التطوعية. لكن الملاحظ أن أغلب هذه المشاريع وقتية وأشبه ما تكون بردة فعل أو استجابة لطلب من شخص أو جهة ما.
في الحقيقة، إننا في حاجة إلى مشاريع ومبادرات ريادية تقود ريادة الأعمال الاجتماعية في السعودية وتكون لبنة لمثال رائع فيها. هناك عديد من المشكلات الاجتماعية التي تحتاج إلى مبادرات سأعرض واحدة منها هنا، لعل أن يقدح هذا المقال في ذهن أحد رواد الأعمال الاجتماعيين فكرة مشروع مبتكرة لحل هذه المشكلة.
بحلول شهر رمضان من كل سنة، تغص الأسواق والمحال التجارية في السعودية بالمتسوقين الراغبين في تلبية حاجاتهم ورغباتهم الحياتية. حسب تقديرات لمؤسسة النقد السعودي "ساما" في جريدة الشرق الأوسط فإنه من المتوقع أن يكون صرف السعوديون في رمضان هذه السنة 1435 ما يعادل 724 مليار ريال (193 مليار دولار) على المشتريات الرمضانية والعيد بزيادة نحو 9 في المائة على العام الماضي. حتى نتصور حجم هذه القوة الشرائية، فإنه أكثر من أربعة أضعاف ميزانية دولة مثل المغرب يفوق عدد سكانها 32 مليونا، كما أنه يوازي قرابة 75 في المائة من مصروفات الحكومة السعودية في العام الماضي.
لا شك أن رمضان هو شهر الخير وأن كثيرا من الناس يجمعون صدقاتهم وزكواتهم لينفقوها في هذا الشهر رغبةً في مضاعفة الأجر، كما أن وقوع رمضان في الصيف وموسم الزواجات والمناسبات أسهم في زيادة المصروفات. لكن السؤال هو: هل نحن بالفعل في حاجة لهذه الكثافة من المشتريات والمواد الغذائية؟ هل هناك تفسير خاص لزيادة المشتريات في هذا الشهر الفضيل؟ سأختصر الإجابة في المشهد التالي:
تمتد سفر تفطير الصائمين في داخل المسجد النبوي وساحاته في المدينة المنورة، وتتميز السفر في ساحات الحرم النبوي بتنوعها من الفاكهة والرز والإيدامات الهندية والآسيوية ووجبات البروست وغيرها من النعم والخيرات. قبل الأذان، تجد السفر المتراصة والناس تعمل كخلية نحل في منظر بهي يدخل الفرح ويدل على طيبة ورغبة الناس في تقديم الخير. بمجرد أن يفطر الناس ويقومون لصلاة المغرب، ينقلب هذا المنظر الروحاني إلى شكل آخر مختلف تماماً. بقايا الأكل المتناثرة في كل مكان تقشعر منها الأبدان، الفوضى في تجميع السفر، ورمي الأكل، والعصيرات والماء. كثير من الأكل لم يمس، وكثير من النعم تدهس وترمى. وهذا المشهد يتكرر في ساحات الحرم المكي وكثير من المساجد بشكل عام. في لقاء صحافي، قدّر رئيس جمعية حماية المستهلك في السعودية حجم الفائض من المواد الغذائية في شهر رمضان في حدود 70 في المائة. لا شك أن ابتغاء وجه الله ــ سبحانه وتعالى ــ والرغبة في ثوابه هو من أهم الأسباب التي تدفع للتسابق لتفطير الصائمين وتسحيرهم أيضاً. لكن في الوقت نفسه، أعتقد أن التفكير الجماعي أسهم أيضاً في انتشار زيادة كميات الطعام للإفطار والإطعام بدون التفكير في مدى الحاجة إليها. المقصود بالتفكير الجماعي هو اتخاذ القرار نفسه التي اتخذته مجموعة كبيرة من الناس. من مميزات التفكير الجماعي أنه يسهل عملية القرار. لكن من أبرز مشكلاته أنه يعمي العقل عن التفكير في نفع أكبر وخيارات أفضل وطرق أجدر لعمل الخير.
نحن في حاجة إلى استغلال هذه القوة الشرائية الكبيرة والرغبة في الخير بطرق أفضل وأكثر نفعاً. إذن فالمطلوب من رواد الأعمال الاجتماعيين ومحبي العمل التطوعي هو التفكير في طرق أفضل لاستغلال هذه الموارد والقدرة الشرائية الكبيرة والرغبة في الإطعام وعمل الخير من الناس في رمضان إلى إنشاء مشاريع مستدامة على مدار العام لتعود على المجتمع وعلى ذوي الحاجة بالنفع.
لنعلم مدى الحاجة لمثل هذه المشاريع، فسوف أستعير بعض البيانات من منظمة الغذاء العالمية، حيث تشير دراسة حديثة إلى أن عدد الذين يموتون من الجوع سنوياً يزيد على عدد من يموت بسبب الإيدز والملاريا والسل مجتمعين. كما أن ما يزيد على 842 مليون شخص لا يجدون كفايتهم اللازمة من الغذاء "معظمهم من المسلمين". في الوقت نفسه، هناك ما يزيد على 774 مليون شخص بالغ لا يستطيعون القراءة والكتابة حول العالم "معظمهم من المسلمين" حسب دراسة لـ "يونيسكو".