البذل والعطاء يشفيان من الأمراض .. روكفلر مثالا
لقد حثنا ديننا الحنيف على الإنفاق في طرق الخير، فهناك آيات من القرآن الكريم وأحاديث عن المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم - تحث الناس على البذل والعطاء وتؤكد أن البذل يعود على المسلم بالخير الكثير. ونريد في هذا المقال أن نبتعد عن مناقشة موضوع البذل من الناحية الدينية، فهذا له رواده وعلماؤه وقد أشبع بالفعل وأصبح الوعاظ ورجال الدين يكررون على مسامعنا فوائد البذل وإيجابيات العطاء والمنافع الجمة التي تأتي من الصدقة والزكاة والتبرعات وصدقة السر وفضل إعلان الصدقة وغيرها، وأنا متأكد أن الكثيرين لا تنقصهم القاعدة المعرفية بأهمية الصدقة والبذل من مال الله.
نريد أن نعرض موضوع الصدقة من الناحية الاقتصادية ونبين الفائدة المباشرة التي تعود على الفرد في ماله ونفسه وصحته من جراء بذله المال مدعما بالتجارب والقصص الواقعية. تقول القاعدة الاقتصادية إن زيادة البذل تعني زيادة الدخل، كما أن فوائد البذل والعطاء تتعدى الزيادة في الدخول إلى الظفر بالصحة والعافية وزيادة قوة الجسد. وحتى أبين هذا سأعرض لكم قصة رجل الاعمال الأمريكي الشهير روكفلر الذي قاده البذل إلى أن يؤسس أعظم منشأة في عصره، وتسبب البذل في شفائه من المرض والسقم كما بينها الغامدي (2022) ص 127.
بدأ جون دي روكفلر حياته موظفا يتقاضى ما يقارب أربعة دولارات في الأسبوع. ونتيجة عشقة للبذل والعطاء فقد كان يدخر 30 في المائة ويتصدق بما مقداره 50 في المائة للمعوزين والفقراء ويعيش على النسبة المتبقية. إلا أن روكفلر لم يبق موظفا بسيطا ينتظر نهاية الأسبوع حتى يجود عليه رب العمل بالفتات، بل مارس التجارة في فترة مبكرة من حياته حتى قاده هذا إلى دخول عالم النفط وأسس أكبر شركة نفط في الولايات المتحدة وهي شركة ستاندارد أويل في منتصف القرن التاسع عشر. وعندما تدفقت الأموال بين يديه ابتعد عن قاعدته الأساسية ومبدئه المقدس في الإنفاق وبدأ يدخل الصراع والمنافسة الشرسة مع شركات النفط في ذلك الوقت، فقام بخفض نفقات الوقود للمستهلك الأمريكي وأسس نظاما معقدا للتوزيع والتوصيل حتى أصبحت شركة ستاندارد أويل تسمى بعديمة المنافسة لأنه اعتمد على أن يمنح المستهلكين ما يريدون بأسعار أقل بكثير من منافسيه.
وعند بلوغ روكفلر الثانية والخمسين من عمره أصبح يعد أثرى رجل في العالم من دون منازع، لكنه كان منهكا بدنيا، وفي حالة من التردي والضعف والوهن، وكانت حالته تتردى يوما بعد يوم حتى أبلغه الأطباء أن أمامه بضعة أشهر فقط ليفارق الحياة. وجلس روكفلر مع نفسه وبدأ يقلب الحقيقة بين يديه عندها وجد أنه ارتكب أكبر غلطة في حياته بابتعاده عن عقيدته في البذل والعطاء، وذكر نفسه أنه ما دام سيقضي نحبه بعد أشهر عدة فلماذا لا يرجع إلى قناعاته السابقة وعاداته الحميدة في البذل والعطاء والإنفاق. واتخذ قراره التاريخي بكل شجاعة وقام بأول خطوة جريئة في هذا التوجه حيث باع نصف شركات النفط التي كان يملكها بمبلغ 500 مليون دولار (500 مليون دولار في منتصف القرن التاسع عشر). وقام بتأسيس أول مؤسسة خيرية ثم أعقبها بالنفقة في كل جانب ناهيك عن الهبات والعطايا بلا حدود. وقد وجد أنه كلما زاد في النفقة والهبة والعطايا تحسنت صحته فأصبح مهووسا بهذا الجانب حتى أنه أسس دورا للعبادة في مدن متفرقة وأنشأ مؤسسات أخرى تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، وبعد أشهر بسيطة وجد تحسنا كبيرا في صحته حتى استرد عافيته ولم يصبح يشتكي من شيء قط. كما ظهر له أمر غريب آخر فقد واصلت شركات النفط نموها وتطورها وزادت قيمتها السوقية بشكل أسرع رغم أنه كان يستثمر فقط في نصف ممتلكاته لأن النصف الآخر موجه لأعمال الخير والبر والعطاء.
ورغم أن الأطباء أبلغوه أن لن يبقى في هذه الحياة سوى أشهر معدودة إلا أنه عاش بعد هذه الأزمة 40 عاما أخرى حتى توفي وهو في سن الثانية والتسعين من عمره وكان يحوز من الثروة أكثر بكثير مما كان لديه عندما دهمه المرض في الثانية والخمسين من عمره.
هذه قصة روكفلر وكيف شفي من مرضه بعودته إلى عقيدته الأساسية في البذل والعطاء، ونحن نقول إن هذه سجية الإنفاق والصدقة لم يبتكرها روكفلر ولم يسبقنا بها فهي من صلب ديننا، فهناك آيات وأحاديث تحث على الصدقة والزكاة والهبة والعطاء والبذل بلا حدود إلا أننا لا نقتنع إلا بشهادة الغرباء ونخضع مبادئنا للتحقق والقياس.
من ترونه قال هذه العبارات؟ عندما أشعر بافتقاري إلى شيء ما فإنني أبذل منه أولا وهذا البذل يعود علي أضعافا مضاعفة، وهذا الأمر ليس مقتصرا على المال، بل يتعداه إلى الابتسامة والمحبة والصداقة. وأضاف عندما أرغب في مزيد من المال فإنني أبذل من أنفس ما عندي وإن أردت زيادة في المبيعات أعنت غيري على البيع عندها أجد مغاليق البيع تتفتح أمام عيني، ولقد سمعت منذ سنوات مقوله مفادها «إن الله لا ينتظر من أحد مقابلا لكن البشر هم من يحتاجون إلى العطاء» والحقيقة تقول إن الفقراء أعظم جشعا من الأغنياء ولم يبقوا فقراء إلا لأنهم لا يحبون البذل والعطاء. من الذي يقول هذه الدرر؟ إنه روبرت كيوساكس صاحب كتاب «الأب الغني والأب الفقير».
إذا الجميع متفق على أن العطاء والبذل يجلب الخير والرزق ويقي من الأمراض فلماذا نبقى مكتوفي الأيدي عن هذه المنقبة؟ فلنجرب الإنفاق بسخاء في هذا الشهر الكريم لعلنا نتغلب على أزماتنا المالية ونسترد صحتنا الجسدية، ولنتذكر حديث المصطفى - صلي الله عليه وسلم - حينما قال «داووا مرضاكم بالصدقة»، وقوله - عليه أفضل الصلاة والسلام «ما نقص مال من صدقة».