أمريكا وشركاؤها الإقليميون

في الحرب العالمية الثانية لم تكن الولايات المتحدة طرفا أساسيا في الحرب أو طرفا مباشرا مثل بقية الدول الأوروبية، خصوصا بريطانيا وفرنسا.
بالنسبة لبريطانيا أو المملكة المتحدة، وكما سميت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ذلك الوقت سادت هذه الدولة معظم دول العالم من الشرق وجزءا من الغرب وإلى الهند والصين. لم يكن في ذلك الوقت للولايات المتحدة أي جيوش في أي بقعة، وفي أثناء الحرب شكلت ما يسمى دول الحلفاء ضد هتلر والنازية واستطاع هتلر قصف العاصمة لندن وأصبح على مشارف باريس. حينها تدخلت الولايات المتحدة وأصبحت طرفا في هذه الحرب التي ما إن انتهت حتى انتهزت أمريكا الفرصة لتكون لها قواعد عسكرية في دول أوروبا، وأولاها المملكة المتحدة
بعد الحرب وانهزام هتلر، وقسمت ألمانيا إلى قسمين المعسكر الشرقي حيث سيطر عليه الاتحاد السوفياتي والمعسكر الغربي وسيطرت عليه الولايات المتحدة واتخذت من مدينة برلين أكبر قاعدة عسكرية أمريكية مبررة ذلك للعالم بالخوف من عودة النازية مرة أخرى. وبهذا أسدل الستار على الإمبرطورية التي لا تغيب عنها الشمس وأصبحت جيوشها تنسحب شيا فشيئا حتى أصبحت دولة تابعة للولايات المتحدة. وحلل بعض المحللين السياسيين، حيث أطلق على بريطانيا أنها ولاية ضمن ولايات أمريكا الـ ٥٢، أما رؤساء وزرائها الذين تعاقبوا عليها ما هم إلا مجرد وزراء خارجية للولايات المتحدة.
بدأت أمريكا تنظر إلى انتشار قواعدها العسكرية في جميع دول العالم تاركة البعض من الدول الأوروبية للخصم القوي الاتحاد السوفياتي.
أما بالنسبة للخليج العربي فقد حددت تلك الدول كيفية مسؤولية أمنها الوطني وكيف تخدم ذلك بعلاقتها الاستراتيجية دول العالم وكيف تداركت أخيرا تنويع علاقاتها مع دول من الكتلة الشيوعية سابقا وأهمها روسيا والصين، وكذلك مصادر تسليحها إدراكا منها أنه قرار داخلي، وأن الاعتماد الخارجي له نسب متفاوتة تتناسب مع مصالحها.
وما يقلق المملكة ودول الخليج هو الملف النووي الإيراني وملف الأزمات الإقليمية وكيفية تقييم علاقاتها الاستراتيجية مع بقية الدول.
الاجتماع الذي عقد في المملكة لوزراء دول مجلس التعاون برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بحضور ولأول مرة وزير الدفاع الأمريكي،
قال الأمير سلمان إن التردد والحذر في التعامل مع الأزمات الإقليمية من شأنه أن يزيد من معاناة الشعوب ومن تدمير الدول، وهذه إشارة واضحة للأزمات التي أهملت دون تدخل دولي لضبط هذه النزاعات التي كانت لها تداعيات واضحة على الأمن القومي.
المملكة منذ سنوات طويلة كانت تؤكد أهمية الدور الإيراني المسؤول والساعي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والخليج خاصة أن المملكة العربية السعودية تطالب دائما إيران بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الخليجية وعدم إثارة البلبلة والفوضى والنعرات الطائفية في الدول العربية عامة والخليج المجاور لإيران خاصة والتخلي عن فكرة تصدير الثورة الخمينية وتأكيد التزامها السلمي للطاقة النووية.
كان الأمير سلمان الذي أدار الحوار بلغة في غاية الجرأة وفيها الدلالة والإشارة إلى التحديات والاختراقات الأمنية التي تستدعي مزيدا من التعاون الخليجي فيما بين دول مجلس التعاون، ولعل هذا الاجتماع هو تأكيد لهذه الهواجس والتخطيط لمواجهة الأخطار التي تواجه المنطقة، خاصة ما أشار إليه ولي العهد بالتطلعات غير المشروعة لبعض الدول، وقد تكون هذه التداعيات ليست لدول مجلس التعاون فقط، بل على الأمن والسلام الإقليمي والعالمي، ما يجعل مسؤولية أمن الخليج مسؤولية مشتركة بين دول المجلس ويتحملها أيضا المجتمع الدولي.
حضور وزير الدفاع الأمريكي لاجتماع وزراء دفاع دول المجلس ما هو إلا تأكيد للعلاقات الاستراتيجية بين دول المجلس والولايات المتحدة لما تمثله هذه الدول من ثقل سياسي واقتصادي لمصلحة الولايات المتحدة وأن رؤية دول المجلس في التعامل مع الأزمات هي رؤية صائبة بعدما فشلت إيران في إقناع المجتمع الدولي عن سلامة نيتها حول ملفها النووي بينما تؤكد المؤشرات أن الملف النووي الإيراني قد خرج عن سلميته، ما سيؤدي إلى انتشار التسلح النووي في المنطقة.
لابد أن يعمل مجلس الأمن الدولي والقوى الكبرى الجادة في حماية الأمن والسلم الدوليين على القيام بواجباتها تجاه استقرار المنطقة واستتباب الأمن في دولها للإسهام بشكل فاعل ومؤثر في ضبط الصراعات الإقليمية بالتعاون الوثيق مع الشركاء المؤثرين لتبقى المنطقة والخليج منطقة آمنة بعيدا عن الفتن والاقتتال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي