من أجل نماذج ناجحة

ما زالت شركاتنا المحلية تقدم العديد من الإسهامات في مجال الاستدامة، بل هناك تنافس كبير في هذا الإطار، فتارة تندرج إسهاماتها تحت سياق مساهمات الشركات في مجال المسؤولية الاجتماعية، وتارة أخرى تندرج تحت سياق خدمة المجتمع، لكننا إذا تأملنا حجم هذه المساهمات وعددها نستطيع أن نخلص إلى أن النية موجودة من قبل الشركات ممثلة في إداراتها العليا، بل نكاد نؤكد أن الشركات لا تألو جهدا في بذل الجهود الحثيثة في سبيل الارتقاء بمستوى هذه المساهمات. وانطلاقا من مبدأ "الأمور تقاس بنتائجها "فإن تلك المشاركات، وإن كانت تذكر فتشكر، إلا أنها ما زالت تفتقر إلى الفاعلية المطلوبة، وأثبتت محدودية أثرها في معالجة الكثير من التحديات التنموية، فلا تزال نسبة البطالة عالية بين خريجي الجامعات، كما أن البطالة بين الإناث تكاد تكون أكثر بثلاثة أضعاف قياسا بالذكور، ما يثير التساؤل عن كفاءة هذه الاستثمارات، وحق لنا أن نسميها الاستثمارات، حيث إنها متى ما تمت بالشكل الصحيح الذي يلبي متطلبات جميع ذوي المصالح فإنها ستعود بالعائد المجزي للشركة ككل.
وبناء على كل ما سبق وبعد تحديد الداء، وهو قلة الفاعلية وليس حجم هذه الإسهامات، يتحتم علينا أن نؤكد أن أي نموذج ناجح للاستدامة ينبغي أن يبنى على أسس ثابتة، بينما تختلف نوعية الإسهمات باختلاف الشركات. أولا، يجب أن تقوم الشركة بتحديد جميع ذوي المصالح الذين يتأثرون أو يؤثرون في الشركة. ويعقب ذلك مرحلة التواصل معهم بوسائل مختلفة لمعرفة أبرز القضايا المطروحة من طرفهم فيما يسمى "تقييم الأولوية"، حيث يؤخذ في الاعتبار أولوية وأهمية القضايا المطروحة من قبلهم وتختلف من شركة إلى أخرى. فالشركات في مجال البتروكيماويات تتطلب عملا كبيرا في مجال حماية البيئة وكذا شركات التعدين التي تعتبر مسألة أمن وسلامة
الموظفين في مقدمة أولوياتها. أما بالنسبة لشركة في مجال الصحة، فإن قضايا خدمة المرضى والكفاءات المؤهلة تأتي على رأس الأولويات وهكذا. بعد الانتهاء من هذه المرحلة تقوم الشركة ببناء استراتيجيتها للاستدامة، ولا ينبغي أن تكون بأي حال من الأحوال منفصلة عن الاستراتيجية التشغيلية للشركة، وهو ما يقع فيه الكثير من الشركات اليوم، لتنتهي بوضع السياسات الداخلية للاستدامة، بتحديد أفضل المبادرات والبرامج والتغييرات الداخلية حسب الطرح من قبل ذوي المصالح.
ويجدر بنا أن ننوه بأن هذه المساهمات يجب أن تكون مبنية بما يتفق مع القدرة التنافسيه للشركة، كما أنها يجب أن تكون في القطاع الذي تعمل فيه الشركة. فعلى سبيل المثال، المصارف ينبغي عليها أن تتخصص في منح القروض للمشارع الصغيرة لما لها من خبرة طويلة في منح هذه القروض، وكذلك شركات التأمين ينبغي أن تركز مساهماتها في تقديم منتجات تأمينية واستحداث منتجات جديدة تخدم الحاجات الدقيقة للسوق. ومن أجمل الممارسات الرائدة للاستدامة في القطاع التأميني قيام بعض الشركات بتخصيص ست ساعات أسبوعيا لبعض موظفيها للقيام بتقديم مواد جامعية يُراعى في نتائجها تجسير الهوة بين المخرجات التعليمية ومدخلات سوق العمل. مثل هذه الممارسات وغيرها من الممارسات المبتكرة هو ما يسهم في معالجة التحديات التنموية وتحقيق الريادة القطاعية، حيث إنها تؤدي إلى تأهيل كفاءات تأمينية بمستوى أعلى، وفي الوقت نفسه فإنها تسهم في حل مشكلة البطالة. وخلاصة القول إننا نطالب بالتخصص في تقديم هذه المساهمات ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتقديم الشركة مساهمات فاعلة، مستغلة قدراتها التي طورتها على مدار السنين.
إن العديد من الشركات الناجحة اليوم هي التي تتبنى مبدأ الابتكار في جميع علاقاتها، بل نجدها تضع مخصصات كبيرة في أقسام وبرامج لإدارة علاقاتها الداخلية والخارجية بنجاح. فقد قامت شركة جونسون آند جونسون بعد تقريرها الأول بزيادة عدد موظفيها في قسم إدارة علاقة العملاء، بل ربط ذلك بالإدارة العليا لاتخاذ قرارات سريعة في هذا الخصوص.
وأخيرا، أحببنا أن ننوه إلى أن المستفيد الأكبر هو الشركات، بل نستطيع أن نؤكد ارتباط كل ذلك بشكل وثيق بحقوق المساهمين على المدى الطويل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي