هل يمكن الحد من تصاعد أسعار «الأراضي»؟

لن تحل مشكلة الإسكان وارتفاع أسعار العقار إلا بحل مشكلة احتكار الأراضي، وقد تداول المهتمون بمن فيهم مجلس الشورى هذا الموضوع وكان من أبرز القرارات التي نوقشت: فرض الرسوم على الأراضي البيضاء.
الأراضي البيضاء أحد المعوقات الرئيسة للتنمية العقارية، خاصة تلك المربعات والمستطيلات المليونية التي منحت دون مقابل وكيفما اتفق! السؤال: هل ستُحل مشكلة الأراضي البيضاء بعد فرض الرسوم؟ قد يكون هذا وارداً، ولكن احتمالية التحايل على مثل هذا القرار واردة بشكل أكثر احتمالية كما أنه لا يستبعد أن تتحمل الأراضي التكلفة الإضافية، وبالتالي تنتقل هذه التكلفة إلى المشترين ويتحملها المستخدم النهائي! الأهم من تقنين الحلول فقط؛ وضع الضوابط والإرادة لحل مشكلة الأراضي بتفاصيلها الكلية!
كما يجب ألا نغفل عن شكوى الملاك الدائمة حول صعوبة وتعقيدات إجراءات التخطيط في الأمانات والتي استغرقت في بعض الحالات سنوات للحصول على تراخيص التخطيط.
الأراضي البيضاء نوعان؛ الأول هي الأراضي البيضاء الخام التي لم يتم تخطيطها، والآخر هي الأراضي البيضاء المخططة والتي لم يتم البناء عليها، والحلول مختلفة تماماً بين النوعين، بل إن مبررات بقاء الأراضي بيضاء قد تكون مختلفة تماماً في كل منهما، أحد الأسئلة المهمة هنا: هل تأخر تطوير هذه الأراضي ومن ثم البناء عليها سببه الملاك، أم جهات أخرى مثل الأمانات في المدن الرئيسة، أم جهات أعلى مثل الهيئات العليا لتطوير المدن، أو وزارة الشؤون البلدية والقروية؟
يجب التأكيد هنا على أنه لا صحة للحرية المزعومة لأصحاب الأراضي في ممتلكاتهم من حيث البناء أو تركها بيضاء! فقد خُططت هذه الأراضي وأُعطيت الخدمات اللازمة لكي تستخدم وليس لتبقى مضرباً للشمس والهواء! فهي تُحجّم الموارد المتاحة للأحياء بحيث يستفيد القلة من موارد متاحة ليستفيد منها الجميع، وبالتالي فهذه الأرض البيضاء تزيد قيمتها في الأحياء المعمورة بقدر ما تقل الأراضي البيضاء فيها، وهذه القيمة الإضافية التي يحققها أصحاب الأراضي البيضاء إنما تتحقق على حساب موارد المجتمع الكلية.
كما يجب التفرقة بين الأراضي التي لا يتم البناء عليها نتيجة لمزاجية الملاك وعدم حاجتهم أو رغبتهم في عدم البناء، والأراضي التي لا يتم البناء عليها نتيجة الانتظار لقرض من صندوق التنمية العقاري، أو نتيجة لمعاملة في وزارة لبناء مدرسة أو مستشفى على أرض فضاء أو مرفق تعليمي... إلخ.
ردود الفعل المتوقعة لفرض الرسوم على الأراضي البيضاء لا تخرج عن ثلاث فئات، الفئة الأولى وهم العامة من المواطنين الذين غالباً ما يستسلمون للقرار وينصاعون لتطبيقه ويستجيبون لتبعاته وهؤلاء هم القلة، الفئة الثانية وهم المختصون والتجار المستجيبون للقرار ولكن بالتأكيد سيقومون بتحميل جميع الرسوم على قيمة الأرض، الفئة الثالثة "وأتمنى أن تكون فئة محدودة" ستتلاعب بالقرار وستجد عشرات الطرق للالتفاف عليه وبآليات قانونية الشكل ونظامية الصياغة.
المؤكد في وجهة نظري أن الرسوم الجديدة سيتحملها المستخدم النهائي للأرض بل وقد يتحمل أضعاف الرسوم المفروضة، كما حدث في زيادات أخرى في سلع مثل الرز والبنزين... إلخ.
حلول مشكلة الأراضي البيضاء يجب أن تنطلق وفق آليات مختلفة، حيث تركز على حوافز إيجابية للأراضي تزيد من قيمتها نتيجة البناء المبكر عليها، ومن جهة أخرى، تطبق حوافز سلبية تخفض قيمة الأراضي التي لا يتم بناؤها، وهذا ما لا تقوم به آلية الرسوم على الأراضي البيضاء.
من ضمن الحوافز المقترحة تقديم حوافز للتخطيط وللبناء العاجل، وأبسط مثال لذلك أن تتحمل الحكومة تكاليف إدخال الخدمات والبنية الأساسية للمخططات الجديدة وفق برنامج زمني مرتبط بسرعة التنفيذ والبناء، كما يمكن أن تقوم الحكومة بتقديم حوافز سلبية للأراضي الخام التي لا تخطط، وتبدأ هذه العقوبات بمرحلة الرسوم وتمر بمرحلة تخفيض معامل البناء في المخطط ككل تدريجياً، فعلى سبيل المثال يتم فرض رسوم على الأراضي الخام التي تدخل في النطاق العمراني ولا يتم تطويرها خلال ثلاث سنوات من تاريخ القرار، ثم يتم تخفيض معامل الاستخدام على الأرض الخام غير المطورة بنسبة 10 في المائة سنوياً، هذا التخفيض في المخططات سيكون لمصلحة الشوارع والحدائق العامة، وإذا لم يتم تطوير هذه المخططات فإنه يحق للحكومة أن تقيمها وتستحوذ عليها وتعوض ملاكها عند مرور عشر سنوات على تاريخ القرار. أما الأراضي المخططة والجاهزة للبناء فمن الحوافز الإيجابية أن يتم التصريح بالبناء لأكثر من دورين أو السماح ببناء السطح كاملاً أو بناء مساحة أكبر على الأرض... إلخ، وذلك للأراضي التي يتم البناء عليها خلال السنوات الثلاث الأولى من تطبيق القرار، أما السنوات الثلاث التالية فيتم تطبيق نظام البناء الحالي دون حوافز سلبية ولا إيجابية، أما السنوات التي تليها فيتم تطبيق عقوبات على الأرض مثل أن يتم تخفيض مساحة البناء الممكن البناء عليها بنسبة قدرها 10 في المائة سنوياً... إلخ، وبعد مرور عشر سنوات يتم تطبيق عقوبات أكبر مثل أن يحدد استخدام هذه الأراضي للاستخدام كمرافق حكومية فقط، أو أن تبنى فقط كمساكن لوزارة الإسكان أو غيرها... إلخ، وبالتالي وفقاً لهذه الآلية فإن الأراضي التي سيتم بناؤها ستحافظ على قيمتها إن لم ترتفع، أما الأراضي التي ستطبق عليها الحوافز السلبية ستنخفض قيمتها مع الوقت، وبالتالي سيضطر أصحابها إلى البناء عليها أو بيعها لمن يستطيع البناء عليها، وبالتالي سيتحقق البناء ومن ثم زيادة المعروض من المساكن، أو سيتحقق البيع هرباً من الحوافز السلبية التي ستخفض قيمة الأرض وبالتالي على المدى الطويل ستنخفض قيمة الأراضي البيضاء التي تعاني من الحوافز السلبية أو على الأقل لن تزيد، وهذه المقاصد مجتمعة هي مشكلة الأراضي البيضاء الحقيقية. هذا المقترح يفترض أن يتم بموجبه تقسيم كل مدينة إلى مناطق عمرانية محددة، وبالتالي يحدد ترتيب الحوافز لكل منطقة، كما يفترض أن تُنظم سجلات الأراضي، حيث يكون هناك سجل واضح لكل أرض ويحدد فيها الحوافز بشكل لا يقبل الجدل لارتباط ذلك مباشرة بقيمة الأرض، كما يفترض الصرامة في التطبيق وعدم وجود الاستثناءات لأي كائن من كان، حتى لا يطبق النظام على الضعفاء وينجو منه أصحاب النفوذ.
أخيراً.. من الحلول المجربة بناء ضواح نموذجية خارج المدن على أراض أرخص مع إيجاد بنية أساسية وخدمات متكاملة منافسة، وهي تجارب ناجحة في كثير من دول العالم وأقربها لنا الإمارات ومصر، وقد قامت العديد من الجهات الحكومية وشبه الحكومية محلياً بمشاريع تستحق أن تكون نموذجاً يحتذى به مثل "أرامكو" والهيئة الملكية للجبيل وينبع والحرس الوطني.
خلاصة الأمر .. نحتاج إلى قرارات ورجال مخلصين للتخطيط والتنفيذ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي