حملة «يعطيك خيرها» لتكون برنامجا مستمرا
لا شك أن الحوادث المرورية أصبحت تفتك بأبناء المجتمع صغارا وكبارا، وأخبار الحوادث المرورية الكارثية لا تكاد تغيب يوماً عنا، سواء من خلال وسائل الإعلام أو من خلال وسائل التواصل المختلفة التي أصبحت تنقل الأخبار وتنشرها بطريقة أسرع من البرق، وفي كل يوم يفقد المجتمع بعض زهرات شبابه رجالا ونساء وأطفالا بسبب هذه الحوادث. حملة «يعطيك خيرها» اقتبست من عبارة متداولة عند شراء الشخص سيارة جديدة، فإن أول كلمة يسمعها من قريب أو صديق "الله يعطيك خيرها ويكفيك شرها"، هذه العبارة تحمل معاني صادقة ودعاء خالصا وسؤالا بأن تكون هذه الآلة سببا في جلب الخير للشخص، وألا تكون مصدر شر أو بلاء.
هذه الحملة تأتي في وقت نجد فيه الحوادث المرورية أصبحت أزمة ومشكلة تؤرق المجتمع، فعندما يحزم رجل أو عائلة حقائب السفر فإن أول كلمة يسمعها من والدته "يا ولدي بلغني بوصولك لأطمئن على سلامتك"، في صورة تعكس حجم القلق الذي ينتاب الوالدين والأقارب باحتمال حصول حادث لا يتمكن به الشخص من الاتصال عليهم، هذا الشعور يجعل من الحوادث المرورية هاجسا لدى المواطن يخشى أن يفقد به قريبا أو صديقا، ولا تكاد تجد أسرة لم تكتوِ بنار الحوادث المرورية بوفاة أحد أفرادها أو تسببها في أضرار صحية كارثية أو تكاليف مالية كبيرة.
نحن نعلم أن ما يصيب الإنسان من مكروه هو ابتلاء ومكتوب من عند الله، لكن الله جعل لكل أمر سببا، وأمر بالأخذ بالأسباب والاحتياط، وألا يعرض الإنسان نفسه للمهالك باعتبار أنه لن يصيبه إلا ما قدره الله، بل يحاسب الإنسان على إهماله وتقصيره ولا يحق له أن يحتج بأن ما حصل مقدر ومكتوب ليبرئ نفسه من أي خطأ، فالحوادث المرورية في المملكة أصبحت تعادل في أعدادها عواقب الحروب والكوارث، وعلى الرغم من أننا في المملكة ـ ولله الحمد ـ لم نشهد حروبا فتكت بالناس، إلا أن الحوادث أصبحت تفتك بالمواطنين والمقيمين بصورة كبيرة. ليس سرا أن نسبة الحوادث المرورية في المملكة كبيرة جدا مقارنة بدول كثيرة حول العالم، ومع تكرار هذه الحوادث وخطورتها إلا أن البعض لم يأخذ الموضوع بجدية كافية، خصوصا مع تكرار حوادث بأسباب محددة مثل السرعة، والسير والإشارة المرورية حمراء أو المخالفة أو السير بعكس المسار، أو بسبب استخدام جهاز الهاتف أثناء القيادة، ويفاخر البعض بذلك بأن يصور ذلك ويعرضه في مقاطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليشجع الآخرين على ارتكاب ما هو أفظع وأشد.
لا شك أن هذه الحملة لها أهمية كبيرة وهي تعكس الحرص الكبير على الحد من هذه الحوادث وزيادة الوعي في المجتمع، فمثل هذه البرامج تعتبر الأسلوب الأمثل لزيادة الوعي ولتغيير سلوك الأفراد السلبي بأسلوب الترغيب والتشجيع، ولكن من المهم ألا يقف البرنامج عند هذه الحملة، فالوعي بالسلامة المرورية وصور السلامة الأخرى يعتبر من أهم الأمور في الحفاظ على حياة وصحة الأفراد، فكما تنفق الحكومة مشكورة على العلاج بسخاء، فمن المهم أن يذهب جزء من هذا الدعم للحد من أسباب الذهاب للمستشفيات والحاجة للعلاج، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج، والسلامة لا تقتصر على الحوادث المرورية فقط، بل الحرائق وحوادث البناء والأمراض، أو الاطلاع على حالة الطرق والمنشآت والحدائق والأماكن العامة لتقييم مستوى السلامة بها خصوصاً المنشآت التي يرتادها الأعداد الكبيرة مثل الجامعات والمدارس والدوائر الحكومية والمستشفيات والمراكز التجارية والمصانع والطرق وغيرها، ولذلك من المهم إيجاد جهة متخصصة في أمور السلامة لتقييم حالة المنشآت ولتنفيذ برامج التوعية واقتراح بعض الأنظمة والتشريعات في هذا الأمر، إضافة إلى اقتراح المواصفات التي تحقق السلامة في المنشآت والمنازل، وهذه الجهة من الأفضل أن تكون مستقلة أو أنها تتبع لجهة مستقلة مثل هيئة مكافحة الفساد أو على الأقل أن تتبع لوزارة الصحة باعتبارها الجهة الأكثر تضررا بسبب الإهمال في وضع الاحتياطات اللازمة للسلامة، ومن المهم أيضا أن يكون هناك مادة متخصصة أو جزء من مادة في المناهج الدراسية في التعليم العام والعالي في السلامة، حيث لا يخلو تخصص خصوصا التخصصات التطبيقية من مخاطر في مجالات العمل تتطلب معرفة جيدة بأسباب السلامة.
الخلاصة، إن موضوع السلامة أمر مهم لا يكفي فيه حملة رغم أهميتها الكبيرة، ولذلك من المهم في هذه المرحلة التفكير في إنشاء جهة متخصصة مستقلة تهتم بأمر السلامة المرورية وغيرها.