الفوائض المالية السويسرية .. الاستثمار الأجنبي المميز
حققت الاستثمارات السويسرية الخارجية قفزة كبيرة العام الماضي. ويبدو واضحاً أنها ماضية إلى آفاق أخرى في المرحلة المقبلة، مع تركيز المؤسسات السويسرية على هذا النوع من الاستثمارات. فالقطاع المصرفي السويسري يخضع حالياً "ومنذ أربع سنوات تقريباً"، إلى إعادة تشكيل، ليس بمبادرة ذاتية، بل بضغوط غربية كبيرة، وصلت حداً دفع بعض المسؤولين السويسريين في السابق إلى التهديد بالتمرد. وهؤلاء هددوا علانية منظمة التعاون والتنمية الأوروبية، بوقف دفع سويسرا حصتها في ميزانية المنظمة، لأن هذه الأخيرة شنت حملة هائلة على السلطات المصرفية السويسرية، لعدم تعاونها مع التجمعات الدولية الكبرى، خاصة تلك التي تضم الدول الغربية، في مسألة الشفافية المصرفية. رضخت سويسرا على مضض، بشأن فتح حسابات عملائها أمام سلطات بلادهم، سواء أولئك المتهربون من الضرائب، أو المشكوك في مصادر أموالهم.
بلغ الفائض أكثر من 88 مليار دولار للعام الماضي، مرتفعاً من 64.4 مليار دولار. وهي نسبة لافتة إلى حد بعيد. وقد جنت سويسرا هذا الفائض بصورة أساسية من خدمات المصارف، والتأمين، وإعادة التأمين، والبريد، والاستشارات المالية، وغيرها. وقد حققت الاستثمارات السويسرية المباشرة مكاسب كبيرة في العام الماضي، من جراء ارتفاع أرباح الأسهم والسندات. وهذه الأخيرة شهدت تراجعاً كبيراً في عام 2011، لأسباب عديدة، في مقدمتها تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، واضطراب الأسواق العالمية. وتستطيع البلاد أن تحقق مزيدا من المكاسب في السنوات المقبلة، بمواصلة التركيز على الاستثمارات الخارجية المباشرة، التي أثبتت نجاعة المخططات الاستثمارية في الأعوام القليلة الماضية، حتى إن مرت الأسواق بمصاعب لا تزال آثارها حاضرة فيها.
والذي يزيد من أهمية الفوائض المالية السويسرية، أنها أيضاً نتجت عن نتائج إيجابية على الصعيد التجاري مع مجمل دول العالم. ورغم عدم تحسن الميزان التجاري للبلاد في العام الماضي مقارنة بعام 2012، إلا أنه سجل رقماً جيداً بلغ 27 مليار دولار. ويمكن لسويسرا أن تحقق قفزات في هذا المجال مستقبلاً، خصوصاً مع وجود توسع واضح في قطاع الإنتاج. ولم تعانِ الشركات الإنتاجية السويسرية كثيراً في الأعوام السابقة، مقارنة بنظيراتها الأوروبية الأخرى. فقد حافظت على مستوى الإنتاجية، ونوعت في عمليات التصدير نفسها. وقد أجرت شركات سويسرية كبرى ومتوسطة، عدداً لافتاً من الشراكات الخارجية في العام الماضي، دون أن تدخل في نطاق المغامرة.
لقد ارتفعت الإيرادات الإجمالية لرؤوس الأموال السويسرية المستثمرة في الخارج، من 19 إلى 140 مليار دولار، بين عامين فقط. وبلغ حجم الاستثمار المباشر من هذه الإيرادات 86 مليار دولار في العام الماضي. وتمضي المؤسسات الاستثمارية السويسرية في هذا الاتجاه، حسب تأكيدات كبار المسؤولين في الشركات الكبرى والمتوسطة. وهذا يعني أن العام الجاري سيشهد أيضاً تحسناً كبيراً في الإيرادات، بما يحتوي الحراك الذي يبدو متجانسا مع الحقائق في السوق، والقدرات المالية والاستثمارية للمؤسسات المعنية. غير أن هذه الصورة الإيجابية الناصعة، تقابلها ملامح ليست على شاكلتها، فقد انخفضت إيرادات الاستثمار الأجنبي في البلاد بمقدار 6.8 مليار دولار، وبعد هذا الانخفاض وصلت إلى 39 مليار دولار.
لا توجد مخططات معلنة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، لكن في بلد كسويسرا يمكن أن تشهد مخططات جديدة رابحة وناجحة. فهي ترسم سياساتها الاقتصادية وفق ما هو موجود بالفعل، الأمر الذي وفر لها حصانة اقتصادية تحسدها عليها حتى أكبر الدول الغربية. وباستثناء الحملة الغربية الكبرى على البلاد من جهة السرية المصرفية، فإن الأداء الاقتصادي لسويسرا يبقى متوازنا، ويتمتع برؤى مستقبلية متماسكة.