ليس عنهم.. عن مستقبلنا أتحدث

عناوين كثيرة بعددها كبيرة بمحتواها نسمعها بين الحين والآخر عن تملك إحدى الشركات الأجنبية حق استخراج، وصقل، أو تصنيع أحد الموارد الطبيعية لدولة أخرى. وقد كان للقارة السمراء إفريقيا ودول أخرى من أمريكا الجنوبية النصيب الأكبر من هذا النزيف للثروات الطبيعية.
ولسنا اليوم في سياق الحديث عن الاحتكار كمبدأ وأثره في اقتصاديات العالم في العقود الأخيرة التي نشط فيها هذا المصطلح وأصبح أحد العوامل الرئيسة التي لا يمكن للأسواق إغفالها. بل نتجاوزه إلى حق الشعوب بالانتفاع بثرواتها كذخيرة لدفع عجلة تنموية لا تتوقف. فبينما تزداد بعض الشركات ثراء، وبالتالي الدول التي تتواجد فيها، وذلك لقيامها بدفع ضرائب عالية من أرباحها لحكوماتها، تزداد العديد من الدول الإفريقية تدهوراً اقتصادياً ومعيشياً.
تشير بعض الإحصائيات التي أصدرتها لجنة التخطيط الهندية في عام 2010 إلى انضمام 100 مليون هندي إلى عداد الفقراء مرتفعا بذلك إلى أكثر من 37 في المائة مقارنة بـ 27.5 في المائة في عام 2004، أي أن الفقراء في الهند ازدادوا بمقدار 10 في المائة خلال ست سنوات فقط. تساءلت حين رأيت هذه الأرقام، أليست الهند هي التي أخرجت العقول النابغة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من صناعة الكمبيوتر والتكنولوجيا على مستوى العالم، حتى أصبح يشار إلى الجامعات الهندية بأنها من بين الأفضل في هذه المجالات؟! إن هذه الإحصاءات بما تحمله من دلالات خطيرة على الأمان المجتمعي في الهند وفي العالم بشكل أجمع تحتم علينا ضرورة إعادة تقييم أدوار الشركات في تنمية المجتمعات والدور التنظيمي للقطاع العام.
إن تنمية المجتمعات لا تنحصر في المفهوم الضيق المتمثل في بناء الأبراج العالية والمباني الشاهقة وناطحات السحاب. وأذكر هنا المقولة المتداولة بأن التنمية التي نحتاج إليها في بلادنا، والتي يحتاج إليها العالم كله هي تنمية إنسان وليس تنمية مبان ومصانع من الأسمنت. إن الانسان الذي استطاع على مدى عقود من الزمن بناء ثورة صناعية ضخمة قادر بلا شك على تحويل المجتمعات التي يرتع فيها الفقر والجهل إلى وقود لتنمية أكبر بدلا من أن تصبح وقودا لدمار المجتمع على أصعدة شتى.
إن التجارب النهضوية في العقود الأخيرة كثيرة ومتنوعة، ولكنني أكتفي هنا بالإشارة إلى التجربة اليابانية لعدة أسباب، أهمها، أن اليابان بلد يفتقر بشدة إلى الموارد الطبيعية، إضافة إلى أنها كانت بلدا إقطاعيا خرج من ويلات الحرب العالمية مدمرا بالكامل اقتصاديا واجتماعيا. وفي غضون أقل من عقدين خرجت اليابان إلى النور كبلد صناعي متفوق، معتمدا في حراكه التنموي على الموارد البشرية كمحور لهذه التنمية. لقد أصبح المواطن الياباني هو المورد الأغلى. فقد وجدت الدولة أنه أغلى قيمة من براميل النفط ومناجم الذهب والحديد فأصبح أهم الأصول التي بنت عليه اليابان كل نجاحاتها. إن الإدارة اليابانية تعتمد مبدأ الشراكة في كل شيء، فالفرد شريك في المؤسسة أو الشركة التي يعمل بها، والمواطن شريك فعال في صناعة قرارات دولته. ولذا نجد أن العديد من الشركات الصناعية في اليابان تضمن حق العمل لموظفيها مدى الحياة، وبالتالي تسهم إسهاما كبيرا في زيادة الإنتاجية.
أما على صعيد القطاع العام فإن الدولة تقوم بإنقاذ الصناعات المتعثرة، بل وتمنع استيراد العديد من المنتجات التي تشكل خطراً تنافسياً على المنتجات الوطنية. هذا إضافة إلى سياسات التحفيز المستمرة التي تحرص الحكومة على تطويرها للتواكب مع مستوى التطور الصناعي ولتلبي جميع احتياجات الشركات.
إن التوقعات المستقبلية للعديد من المحللين تشير إلى تفوق لقارتين هما إفريقيا وآسيا، ويعنى بها جنوب شرق آسيا تحديدا. ولو نظرنا بتمعن لوجدنا أن العامل المشترك بين القارتين هو وفرة الموارد البشرية الشابة، حيث ميزان القوى الاقتصادية وتوافر الفرص الاقتصادية.
وأخيرا، أليس من الأجدر لمن يملك الموارد الطبيعية والبشرية أن تكون له قدم السبق في العالم المتشكل حديثا؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي