تراجع براءات الاختراع وعلاقته بالنمو الاقتصادي
رغم أن المملكة هي الأعلى بين جميع الدول العربية في سجل طلبات براءات الاختراع التي يتم إيداعها لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية "ويبو"، إلا أن هذا الخبر يفقد الكثير من بريقه إذا علمنا أن الطلبات انخفضت بنسبة كبيرة وصلت إلى 34 في المائة في عام 2013، مقارنة بعام 2012، وطبقاً لأرقام أعلنتها "ويبو" من مقرها في جنيف أمس، فقد أودعت السعودية العام الماضي 187 طلباً لبراءة اختراع مقارنة بـ 294 طلباً في عام 2012. والمقارنة تضرب بمعولها في هذا الإنجاز إذا علمنا أن إسرائيل قدمت وحدها 1611 طلبا بزيادة مقدارها 17 في المائة عن العام السابق، كما أن المنظمة العالمية للملكية الفكرية أعلنت أن إيداعات طلبات براءات الاختراع في عام 2013 حققت نموا قياسيا، بزيادة قدرها 5.1 في المائة، وكانت الولايات المتحدة والصين أصل هذا النمو القوي.
وهكذا فإن قراءة الخبر شيء ومقارنته بالمعلومات الأخرى المحيطة به شيء مختلف، فمن المعلوم أن معظم طلبات براءة الاختراع تأتي من الشركات الصناعية، ولذلك نجد أن الدول الصناعية الكبرى هي التي حققت المراكز المتقدمة في هذا الشأن، فقد سجلت الولايات المتحدة وحدها 57239، بنمو مقداره 10.8 في المائة ثم اليابان والصين بعدها ألمانيا فكوريا الجنوبية خامساً. وحلَّت شركة باناسونيك (اليابان) الأولى بين الشركات العالمية. فهذه المعلومات تشير إلى درجة تنافس القوى الصناعية الكبرى في مجال التقدم العلمي، فالنمو الحقيقي من الإيداعات وطلبات البراءة يأتي من الدعم الصناعي القوي وليس من مجرد مواهب هنا وهناك غير مندمجة في سياق صناعي واضح.
والسؤال الكبير: لماذا لم نستطع أن نحقق نموا في طلبات براءة الاختراع على كل الزخم الذي نسمعه هنا وهناك حول رعاية المواهب، وحول المؤسسات التي تعنى بذلك من حاضنات ومؤسسات تمويل وبرامج تنفق عليها أموال يصعب حصرها؟ أين الخلل؟ لعل القارئ يدرك الآن أهمية المعلومة التي مرت مرورا عابرا على الكثير من القراء ومن بينهم صناع قرار بلا شك، فالنمو في طلبات تسجيل براءة الاختراع مؤشر كبير على النمو الصناعي في أي دولة، وهو أيضا مؤشر مهم على النمو الاقتصادي، ولعل هذا المؤشر الجديد هو أهم مؤشر في عالم اقتصاد المعرفة. وإذا كنا نتراجع في هذا المؤشر المهم فليس مرد ذلك بأي حال إلى انحسار المواهب أو مراكز رعايتها، بل لدينا وفرة فيها، لكنه مؤشر واضح على غياب الرؤية الاقتصادية والاندماج الكامل الفاعل بين هذه المواهب وعالم الصناعة والأعمال في المملكة، فمن الواضح أن الشركات السعودية بتنوعها لم تستطع حتى الآن المنافسة في عالم اقتصاد المعرفة، لذلك لم يزل حضورنا على الشاشة الاقتصادية العالمية محصورا في أسعار النفط.
إن تراجع طلبات الإيداع لبراءة الاختراع قضية يجب أن تؤخذ على محمل الجد، خاصة أن لها ارتباطا وثيقا بالنمو الاقتصادي (غير النفطي)، والاندماج الحضاري، فالتراجع يدل على أننا نسير في غير المسار الواجب وأن هناك خللا اقتصاديا يجب معالجته قبل فوات الأوان.