نظرية الكمال في وزارة التربية والتعليم

جائزة التفوق العلمي .. السنوية تقدر من يحوز نسبة 100 في المائة من الطلاب والطالبات! وهذه الجائزة تأتي في رؤية التشجيع على النبوغ والتفوق العلمي! إلا أن الوزارة ذاتها سرعان ما تنسى - هذه الورقة مقاس A4 ! لأن هذا المتفوق الذي قفز على كل الحواجز بالنسبة التامة الكاملة.. لا ينال من الوزارة الجليلة القدر، والعظيمة الشأن، وصاحبة الحول والطول، في كل ميزانية، على غير هذه الورقة المسماة - شهادة تفوق!
وهذا سنعتبره تقديرا معنويا هو أعظم شأنا من التقدير المادي.. والهدايا الثمينة.. التي تهدر بإسفاف مجنون على مواهب الأرجل، ومدربيهم، والملاعب ومشجعيهم.. وتنعدم عن مواهب العقول والعلوم ومدرسيهم، والمدارس وفصولهم!
إلا أن الوزارة الجليلة السابقة الذكر.. هي بذاتها يغلب عليها مرض النسيان تارة أخرى.. قاتله الله! فتعود على هؤلاء المتفوقين.. تجعلهم كعصف مأكول بقدرات، وتحصيلي، ورفع مقاسات.. وكل ما لا يخطر على بشر بحيث يصبح هذا المُكرم اليوم، والنابغة بالنتائج الممحصة إلى معطوب الدرجات في اختبارات يكفي أن تتطلع على مضمونها لتدرك.. أسبابها، وغاياتها!
وهذا ما سيتم العود إلى مناقشة تطبيقاته العملية، وإطلاع الرأي العام عليها، وربطها بالمنهج الدراسي ليكون الجميع على بصيرة.. بما يتعرض له جيل بأكمله من رميه بالحجر والطوب وتعمد إلقائه في الجب!
بخلاف مسار مشاريع التنمية العالمية، التي تجعل الدخول للجامعات بسيطا وسهلا وقريب المنال، وهناك يكرم المرء أو يهان بقدراته العقلية. والتطور العملي المتدرج، الذي لا يمكن لاختبار يجمع ما بين الغواية اللفظية، وما بين تعريف الكلمات، وجعل بسيط الإدراك، معقد التصور.. وكل هذا بذريعة كشف المكنون من ذكاء الطالب، وهذا عذر أقبح من ذنب.
لأننا منوط بنا كدولة أن نجعل التعليم ـــ حقا من حقوق الفرد الراغب فيه. وأن نجعل ابتلاء أهليته من اختصاص الجامعات والمعاهد المختصة!
وهذا العطب الثاني بعد أن عرفنا أن ذاك التفوق هو تقدير ناشف تماما من أي تقدير مادي ولو متواضع.. وثالث العطب هو أن هذا التفوق تتنكر له الجهة ذاتها التي أصدرته بنفسها، التي أقامت الدنيا، إعلاما، وحضورا، واحتفالا.. من خلال.. قدرات والتحصيلي وما لا تعلمون!
والمقابلة الشخصية في بعض الجامعات، تجعل حامل تلك الورقة ذات المهرجان العظيم في تسليمها ممنوعة من الصرف حتى في عمادة القبول والتسجيل في كلية الطب البيطري!
إلا أن المعضلة الأكبر في كون هذه الورقة.. أو بتعبير شائع هذه الجائزة! تكشف عن - عقل الكمال التام - أي الدرجة كاملة وإلا فلا شيء! الطالب المتفوق جدا، والجاد بتمام الجد، حين يخسر درجة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا. أو حتى كسور ناقصة، لا يكون له أي نصيب من التقدير.. وأي حظ من الاحترام الجماعي! وهذا خلل عظيم في وعي تكوين "الحوافز". واستنهاض الهمم، وتقدير الموهبة على تعدد الدرجة واختلاف القدرة.
إن غمض العين، وإدارة الظهر لكل الذين كانوا على مسافة قريبة جدا من القمة، لا ينتهي لتحقيق الغايات النبيلة التي من أجلها تكونت هذه الجائزة ولو كانت من ورق.
يفترض أن نفهم "كوزارة تعليم" أن سلوك الإصرار على التفوق هو أهم من النتائج الفردية التي يحققها كل فرد بحسب قدراته وهبات الله له. وإن هذا الإعراض المتعمد عن الباقين له أثر سلبي عظيم على قيمة التفوق، وقيمة التنافس العادلة، وعلى تقدير الذات الذي يقود صاحبه في هذه المراحل بالذات إلى النبوغ والتميز وديمومة التفوق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي