التطوير المؤسسي ووضع العصا في الدولاب

لم يعد منظراً غريباً أن ترى عشرات الفلل المتجاورة الرائعة التصميم ككتلة نمطية والتي طورتها شركات تطوير عقاري مولتها مؤسسات مالية أو شركات استثمارية بآلية الصناديق الاستثمارية العقارية، كذلك لم يعد غريباً أن تجد شقق تمليك مُطورة وفق أحدث معايير التطوير العقاري.
من الجميل أن تجد الطلب الهائل على هذه المنتجات الإسكانية حيث يُقبل عليها المشترون رغم تواضع مساحاتها مقارنة بما تتطلبه الأسرة السعودية سابقاً.
زيادة نسبة المساكن المطورة مؤسسياً على حساب نسبة المساكن المطورة فردياً أمرُ دعونا له لأهميته الاقتصادية الكبرى، فالمساكن المطورة مؤسسياً عادة ما تكون أعلى جودة من المساكن المطورة فردياً، وتتعاظم قيمتها بمرور الوقت ولا تتهالك الأمر الذي يجعلها صالحة لبرامج التمويل العقاري عموما وتطبيق نظام الرهن العقاري على وجه الخصوص. كذلك المساكن المطورة مؤسسيا عادة ما تكون في نسق معماري جميل يمنح الحي جماليات معمارية أفضل من تلك المطورة بشكل فردي ولا ينظمها نمط معماري جميل وإبداعي واحد.
بالتالي فإن ما نراه اليوم على أرض الواقع وما نقرأه من تحالفات بين شركات استثمارية وشركات تطوير عقاري لتطوير مساكن عالية الجودة متعاظمة القيمة تناسب الطبقة المتوسطة بكل فئاتها، حيث يقبلون على شرائها بتمويل من ذواتهم ومن صندوق التنمية العقاري ومن البنوك التجارية لتصبح مأوى لهم ولأفراد أسرتهم يحقق لهم جميع متطلبات الحياة الكريمة كما تصبح في الوقت ذاته قناة ادخارية لأموالهم التي كانت تذهب سابقاً إيجارات لمساكن يقطنونها ويملكها الغير، وبمعنى آخر أصبحت هذه المساكن وسيلة فاعلة لرسملة إيجاراتهم التي كانت تذهب سدى.
يقول لي أحد مديري شركات التطوير العقاري متوسطة الحجم إن المشترين تكونت لديهم ثقافة إسكانية جديدة بتنا نلمسها من جهة المُطورين، حيث باتوا يرغبون في شراء المساكن من الشركات المطورة وليس من الأفراد لثقتهم بجودة المساكن وملاءمة سعرها لمكوناتها وجودتها من جهة، ولثقتهم بإمكانية الوصول للشركة حال طلبهم الصيانة في إطار الكفالة التي تشمل جميع مكونات المسكن لمدد متفاوتة حسب نوع المكون. أيضاً بات المشترون يثقون بأن الشركات المطورة تهتم بسمعتها لأثر ذلك في استمراريتها وتنامي قدرتها على الإنتاج والبيع في سوق بدأ يشهد منافسة شديدة بين الشركات المطورة.
يقول أيضاً إن ثقافة المشترين تغيرت من جهة مسكن العمر، حيث بات شباب اليوم على قناعة بأنه يمكن الانتقال من مسكن إلى آخر حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية وظروف العمل للأسرة، وأن الأسرة تبدأ صغيرة وتكبر تدريجيا ثم تتقلص بعد ذلك بزواج الأبناء، وكذلك الدخل يزداد تدريجيا حتى القمة ثم يتناقص عند التقاعد، وبالتالي فإن المسكن يمكن أن يكون وعاء ادخار في مرحلة عمرية واقتصادية معينة، ثم يصبح مصدر دخل استثماري في مرحلة عمرية واقتصادية أخرى، لذا بات الكثيرون يحرصون على المساكن ذات التكلفة المناسبة ليس على المستوى القصير فقط بل على المستويين المتوسط والبعيد أيضاً. من جهتي قلت له ما السر في هذه القفزة الكبيرة في التطوير المؤسسي على حساب الفردي والتي أوجدت بديلا معقولا يقبل عليه المشترون؟ وهل هناك فوائد أكثر يشعر بها المشترون نتيجة هذا النمو في التطوير المؤسسي للمساكن؟ فقال لي السر واضح جداً حيث توفر بدائل تمويل عقاري من المؤسسات المالية ومن الشركات الاستثمارية من خلال الصيغ التي أتاحها نظام هيئة السوق المالية للصناديق العقارية. وبالتالي أصبح المطور لديه بدائل تمويلية متعددة مكنته من إنتاج كميات كبيرة نسبيا تمكنه من تحقيق هامش ربح جيد من ناحية، كما تمكنه من إنتاج مساكن عالية الجودة لا يمكن للفرد أن يطورها بهذه الجودة بالتكلفة المتاحة نفسها، فضلاً عن كونه لا يمكن أن يوفر المبالغ اللازمة لتطوير مسكنه، حيث لا تمول البنوك الأفراد لبناء المسكن بل تمولهم لشراء مسكن قائم ويفضل أن يكون مطورا من قبل شركة لا فرد.
يضيف مدير الشركة قائلاً: إن تصحيح أوضاع العمالة سيجعل من تطوير المساكن فردياً مشكلة كبيرة وغير مجدية مالياً وفنياً وبالتالي سيكون الخيار الأمثل للأفراد شراء مساكن مطورة من قبل مؤسسات احترافية تنتج كميات كبيرة من المساكن، حيث تستطيع هذه الشركات وفق نظرية اقتصاديات الثروة أن تخفض التكاليف وترفع الجودة مقارنة بالتطوير الفردي. ويضيف أن المطور المؤسسي اليوم أصبح يعمل وفق خط إنتاج مستمر الأمر الذي مكنه من بناء شراكات مع المقاولين والمكاتب الهندسية الاستشارية والموردين لجميع مواد البناء والتشطيب تصب في محصلتها لمصلحة الجودة والتكلفة، وكل ذلك لمصلحة المشترين والاقتصاد الوطني في المحصلة. مع الأسف الشديد أشار أكثر من مطور عقاري إلى أن وزارة الإسكان تضع العصا في الدولاب بتدخلها في اختصاصات وزارة الشؤون البلدية والقروية من جهة تطوير الأراضي وأسعارها ورسومها. أدى هذا الأمر إلى توقف كثير من المطورين العقاريين عن التطوير وذلك بالتزامن مع تخوف بعض الممولين من مؤسسات مالية وشركات استثمار من مستقبل السوق العقارية رغم عدم منطقية كل ما يقال عن انهيار أسعار العقار لعدة أسباب لعل أهمها عدم وجود نظام ضريبي واضح المعالم وضعف البدائل الاستثمارية.
ختاماً أتطلع إلى أن يتم التنسيق بين وزارات الإسكان، وزارة الشؤون البلدية والقروية، والمالية لوضع حلول منطقية بعيداً عن الانفعالات لدعم مسيرة التطوير المؤسسي وعدم الحد منه بعد أن انطلق تطوير المساكن في بلادنا في الاتجاه الصحيح كما هو الحال في الدول المتقدمة، حيث يفوق التطوير المؤسسي نسبة 80 في المائة من المساكن المطورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي