العلاقات الأصيلة.. بين الحكومة وأهلها

تتأسس العلاقة بين الشعب وحكومته في السعودية على أسس أعمق من تلك الأسس التي تتشدق بها الديمقراطيات الحديثة، التي تزعم أن العلاقات بين الشعوب والحكومات تتميز بها الأنظمة الديمقراطية الحديثة أكثر من أي أنظمة سياسية أخرى.
فمنذ أن أسس الملك عبد العزيز ــ يرحمه الله ــ هذا الكيان أقامه على التراحم والتكافل ووشج العلاقات بين العائلة المالكة وبقية أفراد الشعب السعودي، وفي حياته ضرب الملك عبد العزيز الكثير من الأمثلة على أن العدل هو أساس الملك.
وفي الأسبوع الماضي ودعنا شقيقتنا الكبرى المربية الفاضلة حفصة ساعاتي إلى جنات الفردوس الأعلى بإذن الله، وفوجئنا باتصال من الديوان الملكي يعزينا في وفاة شقيقتنا الكبرى، ثم تلقينا مجموعة من البرقيات من الأمراء والأميرات أبناء وأحفاد وبنات وحفيدات الملك عبد العزيز، وعلى رأسهم الأمير سلمان بن عبد العزيز والأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، يعزوننا ويواسوننا في فقد العزيزة الغالية.
إنه نموذج رفيع من العلاقات الوجدانية الحميمة بين الأسرة المالكة وبين عامة الناس في مملكة تستظل بظل الرحمة والمودة والوفاء، إنها نوع من المشاركة الوجدانية التي ترتقي بالعلاقة بين النخبة وبين عامة الناس، ولا مراء أن المشاركة في القضايا الوجدانية هي التعبير الأسمى عن الإحساس المشترك بين الحاكم والمحكوم.
إن السعودية دولة تقوم على مبادئ الدين الإسلامي الأقوم، ولها في رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أسوة حسنة، وكان الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ يشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم. يقول الهادي البشير: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، ويقول المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم: "الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"، ويقول معلم البشرية: "المؤمن للمؤمن كبنيان مرصوص يشد بعضه بعضا".
إنها قواعد للعلاقات الإنسانية يضعها نبي الإسلام وسيد البشرية لتكون حجر الزاوية في بناء العلاقات بين الحاكم والمحكوم، وبين الناس أجمعين.
وإذا نظرنا إلى الحكومات المعاصرة التي تتشدق بالديمقراطية وحكم الشعب، فإننا نجد أن تلك الحكومات لا تتراحم مع شعبها، بل تعتبر كل أبناء الشعب مجرد أرقام تأخذ دورها في الطابور، أمّا العلاقات الإنسانية، فإنها غائبة بين مجمل العلاقات المادية التي تجمع الحكومات والشعوب، التي تتسابق على صناديق الاقتراع ثم تغيب في لجج الحياة.
ومع أن الكثير جداً من البحوث والدراسات قد تناولت النظريات الديمقراطية وما يتنوع عنها من أنظمة الحكم، إلاّ أن مزايا المشاركة الإسلامية لا تزال مجهولة عند كثير من المنظرين، وبالذات عند أولئك القُصّرْ الذين كانوا ومازالوا يُفْتَنُون بالديمقراطيات الغربية ويتغنون بفردوسها الموهوم.
إن السلوك المثالي الذي تطبقه الأسرة المالكة هو تطبيق عملي لنصوص وروح النظام الأساسي للحكم، فقد نصت المادة (10) على أن: الدولة تحرص على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم، كذلك نصت المادة (11) على أن: يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم.
أكثر من هذا فإن النجاح الذي حققه النظام السياسي في المملكة خلال أكثر من 120 عاماً جعل النموذج السعودي نموذجاً مثالياً لمعالجة التوترات في المنطقة، حيث استطاع هذا النظام بشخصيته المتفردة أن يحدث التوازن العادل بين الماضي والحاضر، أو بين الأصالة والمعاصرة، أي أن النموذج السعودي رغم أنه يعيش في زمن المعاصرة إلا أنه لم يسلم نفسه لصراعات العصرنة والتحديث، بل استطاع أن يثقل سير الحركة وأن يوازن بين الأمور ويتأمل جميع الأبعاد حتى نجح في تكريس الأمن والاستقرار.
ونحن نتحدث عن المشاركة الوجدانية في النظام السعودي يجدر بنا أن نتحدث عن المجالس المفتوحة بدءاً من مجلس خادم الحرمين الشريفين ومجلس ولي عهده، حتى مجالس أمراء المناطق، وهي بمنزلة لقاءات مباشرة ومفتوحة بين الحكام والمواطنين قل أن يوجد نظير لها في نظم الحكم السائدة.
ولذلك نستطيع القول إن أهم ما يميز نظام الحكم في السعودية أنه يتمسك بالثوابت في عالم يموج بالمتغيرات، والتمسك بالثوابت، جعله من أكثر الأنظمة استقرارا وتوازناً في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد في هذه الأيام الكثير من القلاقل والاضطرابات.
إن ما تمارسه الأسرة المالكة هو النموذج العربي الإسلامي الذي أمرنا به سيد البشرية، وإنه لعمري أقوى من أي علاقة شعبية تتشدق بها الديمقراطيات الوضعية،إنها ومضات من حكم يقوم على مبادئ الحق والعدل والمساواة.
هذا هو نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، وهو نظام يقوم على المشاركة "من القاعدة إلى القمة ومن القمة إلى القاعدة"، ويقوم على رعاية مصالح الأمة، ويقوم على ترسيخ مبادئ العدل والمساواة، ولذلك فإن الانتفاضات التي تنتفض هنا وهناك في هذه الأيام لتعبر عن سخطها على حكامها لا تجد أرضية لها في السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي