السعودية حسمت موقفها من الإرهاب قبل أن يأتي المالكي وأمثاله

تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حول اتهامه المملكة بدعم الإرهاب أصابت الجميع بالدهشة والاستهجان، حتى أولئك المتعاطفين مع المالكي والداعمين له سياسيا. الجميع يعرفون أن المملكة أكثر دول العالم صرامة في مواجهة الإرهاب وحث الدول والمنظمات على مواجهته، وتبادل المعلومات حول المنظمات والمجموعات والأفراد الذين يمارسون الإرهاب أو يروجون له بأي طريقة، وقد تحدث بذلك بعض الأطياف السياسية في العراق لأنهم يعرفون جيدا أن المالكي لا يتحدث عن واقع، بل يحاول تصدير أزمته السياسية الخانقة إلى دول الجوار. ولأنهم يعرفون حجم الأزمة السياسية في العراق، فقد كان موقفهم أن إعادة ترتيب البيت العراقي من الداخل قضية عراقية وطنية بحتة لا دخل لأحد فيها، وأن البحث عن سبب خارجي يقف خلفها هو نوع من العبث وتضييع الوقت.
ولأن العراق تحوَّل فعلا إلى ساحات صراع طائفي المسؤول عنه أولا وأخيرا سياسة المالكي العقيمة، التي أنتجت موجات من ردود الأفعال ودفعت بالخلافات الداخلية إلى الانفجار وممارسة الانتقام وتصفية الحسابات، بعيدا عن سلطة الدولة التي انحازت بكل حماقة إلى تعزيز دور الميليشيات الطائفية وتسخير الذهنية المذهبية لتكون أساسا لأي عمل تقوم به الدولة، ما أدى إلى انقسامات حادة وإعادة إنتاج الخلاف العقدي من جديد، لتقوم الدولة العراقية بدور الممول والمنتج لصراع مجتمعي يجدد سنده في عمق التاريخ. ومن الغريب جدا أن المالكي ومن يسير في ركابه من أعضاء حكومته الطائفية بامتياز، قد فقدوا تماما أي حس وطني تجاه العراق وكأنهم يعيشون وحدهم في كيان خاص بهم، بل جعلوا من أنفسهم مطية عمياء لخصوم العراق الذين لم يجدوا فرصة سانحة لهم للسيطرة عليه كما يوفرها لهم نظام المالكي اليوم.
ومن أراد أن يقف على الحقائق مفصلة بما يعكس واقع الأحداث، عليه أن يقيِّم موقف المالكي وحكومته من خلال تصريحات القيادات السياسية والاجتماعية والمراجع المذهبيه في العراق وليس خارج العراق، ولعل تصريحات مقتدى الصدر أكثرها وضوحا، حيث فقد الأمل في بقايا عقل راجح أو منطق سليم أو حس وطني يمكن أن يعيد المالكي إلى الصواب، أو يصلح بوصلته التائهة في الفوضى التي صنعها للعراق. أما عن موقف المملكة في مكافحة الإرهاب فقد جرَّمت كل فعل من شأنه الترويج للفكر الإرهابي، بل حذرت ومنعت من الانتماء إلى أي تنظيم إرهابي، وحددت بالأسماء المنظمات والجماعات الإرهابية، وعاقبت كل من يعمل تحت راياتها في أي مكان في العالم، وعلى الأخص تلك التنظيمات المتطرفة في منهجها الديني، التي باتت اليوم تلعب دورا خطيرا جدا في الأمن والاستقرار في المنطقة. وهذا التجريم والعقاب يشملان من يمولها أو يقدم لها أسباب القوة أو يمدها بعناصر الحياة.
لقد حسمت وزارة الداخلية الموقف مع الإرهاب قبل أن يأتي المالكي وأمثاله إلى سدة الحكم في العراق بعقود طويلة، بل إن أفضل طريقة لفهم واقع الإرهاب أن يتعلم المالكي من مواقف المملكة لعله يستفيد ممن سبقوه في مكافحة الإرهاب، ولعله يفهم واقع الإرهاب وعوامل نشوئه، فالدول ومن ورائها الحكومات تواجه الإرهاب بالقانون وتستند في حربها ضد الإرهاب إلى دورها في تحقيق العدالة المجتمعية وفرض الأمن للجميع، والعمل على وجود الدولة بمرافقها الأمنية والخدمية في كل أقاليم الدولة، وتبني منهج وطني يجمع ولا يفرق ويوحد ولا يشتت، ولكن هل يفهم المالكي ذلك؟ وهل يستطيع من حيث المبدأ أن يقوم بدور يخدم أمن العراق والمنطقة، أم أنه أصبح جزءا من منظومة تستخدم الإرهاب تحت مظلة الحكومة الطائفية الفاقدة لأسباب وجودها وقوتها؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي