وزارة التربية وتفعيل دور الرياضة التنموي

أحد الأصدقاء يقول لا أعلم ماذا أفعل وأنا أرى أبنائي من ذكور وإناث وهم يأكلون بشكل مفرط ولا يتحركون ويمضون الساعات الطوال أمام شاشات التلفزيون والآيباد والهواتف الذكية والبلاي ستيشن، ويضيف أنه يعرف أثر ذلك على صحتهم وحيويتهم ونشاطهم حالياً ومستقبلاً، مشيراً لبعض الأمراض التي بدأوا يعانون منها كجفاف العيون وآلام الظهر والرقبة فضلاً عن السمنة وأمراضها المستقبلية.
يضيف صديقي هذا في الماضي كنا نخرج للشارع نلعب مع أصحابنا دون خوف أو وجل ويستغرب أهلنا جلوسنا في المنزل واليوم ونتيجة لتغيرات الحياة المدنية وضعف العلاقات الاجتماعية وانتشار العمالة في الأحياء التي يستمر تطويرها لسنوات طوال، حيث تنعدم الخصوصية أصبحت مسألة لعب الأطفال في شوارع الحي مسألة غير ممكنة وغير آمنة أيضاً وبالتالي حرموا من الحركة بجميع أنواعها ومع الأسف الشديد لم تقم البلديات بدورها في معالجة تلك المعضلة بتكثيف الساحات والحدائق التي تشتمل على الملاعب الرياضية بجميع أنواعها للأطفال والشباب والكبار.
وأقول بكل تأكيد المجتمع الرياضي مجتمع صحي وكلما انتشرت ممارسة الرياضة في أي مجتمع قلت أمراضه ومراجعاته للمصحات لكون الرياضة تلعب دوراً وقائياً كبيراً لكثير من أمراض العصر كالسكر والضغط وأمراض القلب وغيرها كما أنها تحد من السمنة بشكل كبير، وبحسب منظمة اليونيسيف التي أطلقت مفهوم الرياضة من أجل التنمية فإن الرياضة ليست مجرد غاية في حد ذاتها، بل أداة فعالة أيضاً للمساعدة في تحسين حياة الأطفال والأسر والمجتمعات المحلية، والرياضة أداة برنامجية فعالة للمساعدة في تحقيق الأهداف في مجالات الصحة والتعليم والمناعة من الأمراض المكتسبة، وحماية الأطفال ونماء الطفل.
وبكل تأكيد قلق صديقي هو قلق كل أب ذلك أن النشاط الجسدي المنتظم بحسب اليونيسيف أيضاً ضروري لنمو الأطفال والمراهقين من الناحية البدنية والذهنية والنفسية والاجتماعية، حيث تؤدي ممارسة الرياضة إلى تحسين صحة الطفل وتحسين أدائه الأكاديمي، كما أن الرياضة والترفيه واللعب وسائل مسلية لتعلم القيم والدروس التي ستستمر طوال الحياة لأنها تعزز الصداقة والمنافسة الشريفة، وتعلّم روح العمل في فريق والانضباط والاحترام وتعلم المهارات اللازمة لكي ينمو الطفل ويصبح فرداً يحرص على رعاية الآخرين.
الرياضة أيضاً تهيئ بيئات آمنة، وتعزز استقرار العلاقات بين الأطفال والكبار وبين الأطفال أنفسهم، وتزود الأطفال من جميع الأعمار بفرص التعبير عن أنفسهم، والمساهمة في آرائهم وأفكارهم، ليصبحوا أشخاصاً فاعلين من أجل التغيير إضافة لكون الرياضة تساعد في إعداد الشباب لمواجهة التحديات التي سيتعرضون لها في حياتهم، والقيام بأدوار قيادية داخل مجتمعاتهم المحلية.
ماذا لو أضفنا لكل ذلك أهمية الرياضة في تمكين الأطفال والشباب من شغل أوقاتهم الحرة بما هو نافع ومفيد ويجنبهم مخاطر اوقات الفراغ وتربص المتربصين من مروجي المخدرات والمسكرات والسجائر ومشروبات الطاقة التي باتت تهدد حياة الكثيرين منهم، بكل تأكيد ستصبح الرياضة حقا من حقوق الطفل، كما ورد بالتفصيل في المادة 31 من اتفاقيه حقوق الطفل بل وحقا من حقوق كل مواطن على الدولة أن توفرها وتهيئ البيئة الملائمة لممارستها في أي وقت متاح لكل مواطن. بكل تأكيد الألعاب الرياضية كثيرة وبعضها يصلح في أي وقت، وبعضها يتطلب أوقاتاً وظروفاً مناخية معينة.
لا أخفيكم أن الأمل ضعيف جداً في ملاعب البلديات كآلية تمكن بل وتحفز أطفالنا وشبابنا على ممارسة الرياضة التي يريدون في الوقت المناسب لهم وذلك في ظل المخططات الشبكية التي يندر أن تجد فيها مساحات كبيرة مخصصة للساحات الرياضية، ولذلك الأمل كل الأمل في وزارة التربية والتعليم التي تنتشر مدارسها الحكومية والأهلية في جميع الأحياء ويشتمل معظمها على ساحات رياضية كبيرة يمكن استثمارها لتمكين الأطفال والشباب من ممارسة الرياضة في كل الأوقات إضافة لوقت الدراسة المتعارف عليه من خلال حصص الرياضة التي يتلقونها أثناء الدوام الرسمي للمدارس.
لا أخفيكم أيضاً أننا كأولياء أمور نفرح بشكل كبير عندما تترسخ لديهم القيم والمفاهيم الأخلاقية التربوية وعندما يكتسبون مهارات رياضية تدعم صحتهم وسلامتهم وحيويتهم ونفسياتهم وقدرتهم على التفاعل الإيجابي مع الأفراد الذين حولهم ومع مجتمعهم أكثر مما نفرح عندما تترسخ لديهم العلوم بأنواعها كافة، ذلك أننا ندرك أن العلوم الأساسية سيكتسبونها بكل تأكيد وما يفوق ذلك من علوم أيا كان نوعها يستطيعون اكتسابها عندما يتخصصون في دراساتهم العليا، ولكننا على يقين من أنهم إذا لم يكتسبوا المهارات الرياضية التي تعززهم قيمهم ومفاهيمهم التربوية في صغرهم وشبابهم حتى تصبح جزءا من شخصياتهم فمن الصعب أن يكتسبوها إن كبروا.
حصص الرياضة تقع تحت مسميات التربية الرياضية أو التربية البدنية، وأود أن أضيف لها التربية العقلية فكل ذلك ممكن من ممارسة الرياضة، ونتطلع نحن أولياء الأمور إلى أن تلعب وزارة التربية دوراً كبيراً ومهما ومحورياً في تمكين أطفالنا وشبابنا من ممارسة الرياضة بأنواعها كافة وفي أي وقت متاح لهم. ولا شك أن وزارة التربية بما لديها من مبان وساحات رياضية ومعلمي رياضة وغيرهم ممن يود أن ينخرط في تعليم الرياضة، يمكن أن تتعاون بشكل كبير ووثيق مع الرئاسة العامة للشباب واتحاداتها الرياضية واللجنة الأولمبية لتمكن شبابنا من ممارسة الرياضة وتحفزهم على ذلك بشكل احترافي يحقق الأبعاد التنموية للرياضة كافة.
أخيراً كلي ثقة بأمير التنمية وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل أن يفعِّل دور الرياضة التنموي كمهمة أساسية وجوهرية تنهض بها وزارته بما لا يقل عن المهمة التعليمية، وأتمنى على سموه أن يتجاوز جميع الإجراءات والعقبات الروتينية للتعجيل في ذلك، وخصوصا أن الكثير من المدارس الأهلية قدمت نماذج ناجحة لساحات رياضية تخدم الأحياء التي تقع فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي