أنتم السبب .. «لا .. لا أنتم السبب»

حسناً، توقفت الاتهامات المتبادلة بين المسؤولين في الدول المتقدمة ونظرائهم في الدول الناشئة. رغم أنهم لم يقنعوا بعضهم بعضا. "المتقدمون" قالوا علناً، إن المشكلات المالية الراهنة التي تعصف ببعض البلدان الناشئة، أساسها محلي داخلي، وليس سياسة التحفيز الأمريكية التي تخضع منذ أشهر إلى إعادة النظر فيها، من أجل مزيد من الخفض لا مزيد من الرفع. "الناشئون" لا يعتقدون بهذا التفسير، على اعتبار أنهم يجرون الإصلاحات اللازمة بصورة متواصلة، وأنهم يستهدفون نمواً مقبولاً، مع ضرورة الحرص على حماية عملاتهم، وإن أدى الأمر إلى اللجوء للاحتياطيات أو حتى إلى صناديق السيادة الخاصة بها. هذه الاتهامات، كانت ضرورية للاستهلاك الإعلامي قبل بدء اجتماعات وزراء مالية مجموعة العشرين في سيدني، ولا تهدف لأن تطرح محاور للتفاهم أو النقاش بين الطرفين، لأنها ببساطة قائمة على "المعزوفة" المعروفة: "أنتم السبب".. "لا.. لا أنتم السبب"! ولا يريدون الاعتراف بأن السبب جماعي. فالتداخل فاضح، والإخفاقات واضحة.
أراد وزراء مجموعة العشرين، رغم المشكلات بين طرفيها المتقدم والناشئ، ألا يكون اجتماعاً آخر، من تلك الاجتماعات التي سادت الساحة الدولية، في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية. كل هذه الاجتماعات كانت تتمحور حول التقشف والإنقاذ، ولا سيما انتشال المؤسسات المالية، التي لا يزال بعضها حتى اليوم، يعتمد كلياً على الدعم الحكومي، وبتعبير أدق على "تأميم عابر"، بصرف النظر عن مدة "مكوثه". قرروا ضخ 2000 مليار دولار في الاقتصاد العالمي. وهذه الأموال لا تصنع وظائف جديدة أو تشغل عاطلين فقط، بل تدفع النمو في هذا الاقتصاد بمعدل 2 في المائة، وهي نسبة عالية، فيما لو تحققت بالفعل. والحق، أن البلدان الناشئة حققت نقطة لصالحها "وإن لم تكن قوية بما يكفي" في هذا الاجتماع المهم، تتمثل في الحصول على وعد من نظيرتها المتقدمة، بـ "أن تتسم السياسات المالية ذات التأثيرات الدولية بمزيد من الشفافية". لا شك، أن مثل هذه التعبيرات "مطاطة"، إلا أنها أظهرت أن الدول المتقدمة تفهم مخاوف "الناشئة".
لعل المشكلة الكبيرة التي تواجه مجموعة العشرين، أن هذه المجموعة لا يمكنها أن تختلف فيما بينها، رغم الاختلافات البنيوية بين معسكريها. والسبب يكمن في أنها اتخذت زمام المبادرة في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، وأي خلافات لا تتم السيطرة عليها، ستنعكس بصورة مباشرة على وضعية الاقتصاد العالمي الهشة. ولهذا السبب كانت هناك مرونة بين مكوني المجموعة، دون أن ننسى، أن مجموعة الدول فيها، تسيطر على أكثر من 85 في المائة من إجمالي الاقتصاد العالمي نفسه. ولهذا السبب يمكن أن نضع عنوانا عريضاً دون حرج لاجتماعات وزراء مالية مجموعة العشرين "النمو". فمن دون النمو لن يتحرك الاقتصاد، بل سترتفع وتيرة الخلافات والاختلافات. وهذا أسوأ ما يمكن أن يصيب اقتصاد العالم في هذا الوقت بالذات. سترتفع حركة الاستثمارات، من جراء الاتفاق على ضخ 2000 مليار دولار، وهذه بدورها ستقلل ما تبقى من آثار الأزمة الكبرى، وتمنح مجموعة العشرين، صكاً آخر يكرس محوريتها في رسم معالم الاقتصاد العالمي، الذي لا يزال يتشكل، وفق الاستحقاقات التي فرضتها الأزمة نفسها.
وسواء حقق النمو "حسب صندوق النقد الدولي" 0.5 في المائة سنوياً خلال السنوات الأربع المقبلة، أم لم يحقق هذا المستوى، فإن الضامن الأمثل لتحقيق قفزات نوعية ومؤثرة في الساحة العالمية، أن يكون التفاهم ضمن كيان مجموعة العشرين في مستوى مرتفع. فهذه المجموعة لا تصنع القرار الاقتصادي العالمي فحسب، بل تتداخل اقتصاداتها فيما بينها بصورة، بات الفصل بينها، مشروع أزمة اقتصادية عالمية أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي