ضحية اكتئاب حاد
ضحية اكتئاب حاد
لَولا الاكتئاب لوَردنا على الله مَفاليسْ __ الإمام أحمد
أحمَد وعَلي كانا من أميز الطلبة في المرحلة الثانوية, دخَلا الجامعة معلّقين آمالهما ومتفائلين بمستقبل مُشرق كما خطّطا له, أتتهما الجامعة ودرسا في السنة التحضيرية ليتخصصا بعدها كلٌ إلى ما يريد, لعل قدرة الله سبحانه كانت هي فوق كل شيء, ولم تُرِد لهُما التوفيق من أول مرة, حيث أنهما لم يوفقا في تجاوز مادة من المواد ممّا أدى إلى تأخر تخصيصهما, أحمد استسلم للأمر ويأس مما يُريد رُغم عُلو درجاته عن علي, لكن اليأس دخل لقلبه وهدَم كُل ما كان يبنيه من آمال لذلك حَوّل إلى قِسم أقل من عَادي خوفاً من فَناء عُمره في سَراب على حَد قوله.
عَلي كان على النقيض من أحمد فقد حَاول مرة ومرة في هذه المادة حتى تَجاوزها, فتم تخصيصه في كُلية غير التي يُريدها فلم يكتفي بذلك, بل اجتهد أكثر ليحصُل على مُعدل مرتفع ليقوم بالتحويل إلى الكلية التي يُريدها, أثناء ذلك كانت هُتافات أحمد المُنددة باليأس لا تصْمت, وبالرغم من ذلك فقْد كان علي كالطُوب لا يسمعُ منه شيئاً, واصل ما أراده بكُل حماسة إلى أن تخرج بحمد الله ممّا يُريد .. الآن أحمد مدرسٌ عادي ذو وظيفة متواضعة, وعَلي من أكبر مدراء الشركات في المنطقة ولله الحمد ..!
لم أقُم بذكر هذه الحِكاية لأجِل أن أكون “حَكاواتي” أو أن أُثلج صدوركم بها, بل ذكرتها لأبيّن الفرق بين الأمل واليأس, بين الاكتفاء والهِمة, بين العُلو والدُنو, بين المُحاولة والعجز, بين الطُموح وأحلام اليَقظة.
الأمل نقيضُ اليأس, واليأسْ عَدو الحياة, لا حياة مع اليأس, ولا حياة بدون أمل, حَياتنا كُلها مبنية على الأمل, فنحن لا نعْلم ماذا سيحدث غداً وماذا سيكون حالنا, لكننا نعيش على التخطيط والعَمل لما نُريد أن نفعله لا ما نحنُ متأكدين بوقوعه.
الألم, الحُزن, الفَقد, التعاسة, الكآبة, كُل هذه المشاعر لابُد أن نعيشَها يوماً, لكن هُناك من يصَبر على بعضها لينال الأفضل وهُناك من ينهَار ليلقى ما هُو أسوأ حتى وإن كان يسيراً, حيثُ أن العديد من الناس يفقد الأمل ويفتَح أبواب قلبِه لليأس بكل سهولة, فتجد أنّه لا يحَاول تحسين حاله ولا يُحاول حَل مشاكله.
هذه الفئةُ من الناس غالباً ما تجد أنّها تتشح بوشاح الحُزن, وجوهها لا تعرف إلا ملامح العُبوس, لا تعرف الابتسامة, لا يهنأ لها بال, ولا ترمِشُ لها عين, دموعها جّفت من كثرة سريانها, قلوبُها هَلكت من عظيم الحَسرة, حَياتهم سَوداء لا تعرف للبياض سَبيلا .!
لابُد للإنسان أن يكونَ التفاؤل منهاجه, والأمل قناعته, والمُحاولة تلو المُحاولة هي الطريق الذي يسيّر عليه حياته بأكملها, بالأمل تحيَا الأُمم, فمُصبيته مهما بلغت من الألم واليأس لن تكون كمُصيبة قنبلة هيروشيما, وأعتقد أننا جَميعاً نعرف المُصاب ونَعرف ماذا حَل به, فانظر إليه اليوُم هذه المصيبة لم تزدهُ إلا قوة, ولم تجَعل منهُ شعباً يعيش على التحسّر واليأس وشُرب الحزن, بل جعلتْ منه شعباً حالماً طموحاً عامِلاً كادحاً ليطوّر من حالته أكثرَ فأكثر ..!
لنجعَل مصائبنا تزيدُنا قوة لنا عليناَ, لنجعلها نبراساً لإكمال الطريق نحو الأفضل, المصَائب ستحدُث أياً تَكن والإبتلائات واقعةٌ لا محالة, فاستفد منها لصالحك ولا تجعلها تأكلُ أملك وتتغذى على يأسك, لتكوُن بعد فترة ضحِية اكتئاب حاد يودي بحياتك إلى التهلكة .!