نزاهة.. «أبخص»
تمخضت نزاهة بعد فترة من الزمان عن افتتاح أفرع في المناطق عبارة عن شقق لا تليق بأن تكون عيادة طبيب من الدرجة الثالثة. هذه الهيئة التي ما زلنا نحمل عنها الكثير من الأحلام الوردية لتكون خير معين للمسؤول الأول في هذا البلد وللمواطن البسيط، لتضرب بيد من حديد على مفاصل الفساد ومن يمثلها "كائنا من كان".
لكن الهيئة التي أتت لمحاربة الفساد، وبعد برهة من الزمان نُعمت لتصبح هيئة لتدعيم النزاهة، وهذا أمر ممتاز أن تحمل الجهة هذه الإيجابية. فدعم النزاهة وإن كانت في الأصل محاربة للفساد إلا أنها تعطي مؤشرا على أن هذا الفساد الذي نسمع عنه غير موجود أو في أقل حالته. وهذا خلاف للواقع الذي نعيشه.
تداولت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية ما صاحب افتتاح شقة النزاهة في أبها، وإغلاق الهيئة طريقا يستخدمه المواطنون بخيمة الاحتفال بهذا المنجز العظيم. ذكرت صحيفة "الوطن" جزءا من الحوار الذي دار بين أحد مواطني عسير ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة"، حول إغلاق الطريق واختيار الموقع ومساحته، في عدد الخميس السادس من شباط (فبراير) 2014، والذي انتهى بعبارة المسؤول "نحن في الهيئة نعرف المخالفات أكثر منك".
هذة العبارة تذكرني بعبارات بعض المسؤولين التي تأتي من أبراج شاهقة دون النظر إلى ما تحت أقدامهم. العبارة تتنافى مع توجيهات وتوجهات قادة هذة البلاد ـــ حفظهم الله ــــ الذين لا يوصدون أبوابهم في أوجه المواطنين، ومن يتبنون مفهوم "المواطن رجل الأمن الأول".
إذا كان المسؤول يعلم أكثر من المواطن ـــــ وهذا مفترض ــــ فلماذا ما زلنا نرى كثيرا من الأمور التي لا يرضى عنها المسؤول الأمين ولا المواطن الصالح. الشكوى مستمرة ومتزايدة من انتشار بعض مظاهر الفساد، الاستحواذ على المساحات الشاسعة وحرمان البلد من الاستفادة منها، الطرق تعاني، المستشفيات تئن، المدارس والجامعات لا تقدم جديدا وغير ذلك كثير.
إذا كان المسؤول يعلم بكل هذا، ولا يعترف بوجوده فهذه مصيبة تدل على أن المسؤول يتنعم بموقعه ويتناسى مسؤولياته التي أوكلت إليه، وإذا كان المسؤول يعلم ولا يستطيع أن يقدم شيئا فهذه أم المصائب، ويجب عليه أن يتخلى عن هذه المسؤولية لمن يقدرها ويعمل لحل إشكالاتها. أما إذا كان المسؤول لا يعلم ولا يريد من أحد أن يعلمه، فأحسن الله عزاءنا في مسؤولينا.
النزاهة مسؤولية اجتماعية يجب أن نحرص عليها جميعا، وأن ندعمها في معاملاتنا وفي تعليمنا وتنشئتنا للأجيال المقبلة، لننعم برخاء هذا الوطن، ونحافظ على مستقبله بعيدا عن الأهواء والرغبات. وبعيدا عن تسلط المسؤول الذي لا يدرك معنى عباراته.