محفزات الاستهلاك ومطرقة ديون القروض

عندما تبلغ قروض المواطنين السعوديين حتى الربع الأول من عام 2013، 654 مليار ريال من المصارف وشركات الإقراض، فهذا أمر خطير يستوجب الدراسة والاستقصاء من جهات عدة ومن قبل المتخصصين في مجالات عدة، يأتي من بينها متخصصو الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس والتربية، فالمبلغ ضخم ذلك أنه لو قسمنا المبلغ على الشعب السعودي لوجدنا أن كل مواطن من الـ 25 مليونا اقترض ما مقداره 26126 ريالا.
قيمة دراسة الموضوع تكشف لنا الأسباب الاجتماعية والنفسية ومصادر الدخل التي يعتمد عليها المقترضون فهم ربما من موظفي القطاع العام أو الخاص بما تعنيه كلمة موظف من محدودية الدخل وعدم القدرة على الوفاء بمتطلبات الحياة التي تزيد وتتنوع مع الوقت، كما هو معلوم يمكن النظر للموضوع من الناحيتين النفسية والاجتماعية، ذلك أن الإنسان له احتياجات أساسية من أكل وشرب وكساء وسكن مريح، لكن تغيرات الحياة أضفت على المتطلبات الأساسية متطلبات أخرى هي في الأساس ليست أساسية، بل هي ثانوية، لكنها مع الوقت ومع نمط الحياة الاجتماعية تحولت إلى أساسية أو ما يشبه الأساسية على أقل تقدير.
الحياة المعاصرة أدخلت على الناس أموراً كثيرة وفرضتها لتكون جزءاً من تفكيرهم وطموحاتهم، إذ على سبيل المثال لا الحصر، ما من شاب إلا يتمنى أن يمتلك سيارة حال تخرجه في المرحلة الثانوية أو قبل ذلك لتوصله إلى جامعته أو معهده أو مكان عمله، لكن الأمر لا يقتصر على كون السيارة وسيلة مواصلات فحسب، لكن لها قيمة اجتماعية، فهي تحقق للفرد إشباع رغبة التباهي أمام الأصدقاء والزملاء والجيران وحتى الأقارب، لأن امتلاك السيارة للشاب بمثابة الإنجاز حتى إن لم يكن هو من دفع قيمتها.
الأمر لا يقتصر على امتلاك سيارة، بل مع الوقت يتحول نوع السيارة وقيمتها إلى هدف يسعى الفرد بشتى الوسائل إلى تحقيقه حتى لو التجأ إلى الاقتراض أو سلوك ما لا يتفق مع الشرع أو القوانين أو الأعراف كالسرقة أو غيرها، وفي هذا السياق نجد أن التقنية بمنتجاتها المتنوعة والمتسارعة فرضت نفسها على المجتمعات حتى في الدول الفقيرة فكيف بالدول ذات الوفرة المالية؟ وإن كانت هذه الوفرة في فئة قليلة من المجتمع إلا أن هذه الفئة تتحول إلى نموذج يحتذى به، حتى في البضائع الاستهلاكية التي لا يقدر عليها عامة الناس.
لو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر الكمبيوتر أو الجوال منذ دخولهما للسوق السعودية كم من الأنواع أو الأجيال اقتنيناها إما لحاجتنا إليها وإما لإشباع حاجة المباهاة الاجتماعية، لذا نلاحظ البعض يدخل على المجلس وفي يده الجوال آخر جيل وأحدثه وكأنه يقول انظروا ما في يدي، ويحلو لمثل هذا الفرد أن يتحدث عن جواله وسعره ومميزاته، أما صاحب السيارة الجديدة فتجده يدور بها في الحي ويتعمد الذهاب إلى أماكن التجمعات ليستعرض بها أو بكلمة أدق ليستعرض ذاته من خلال السيارة بعد اقتنائها.
ما من شك أن حب الشهوات من طبيعة البشر التي أودعها الله في النفوس ولا يمكن اقتلاعها، لكن يمكن تهذيبها وتوجيهها من خلال التربية بكل قنواتها الرسمية وغير الرسمية، وهذا يتطلب إعادة النظر في فلسفة حياة المجتمع التي تعيده إلى الوضع الطبيعي البعيد عن عقلية الشره والاستهلاك التي تجعل الفرد يتصرف ليس كما يرغب ويستطيع، بل حسب ما يكون عليه عامة الناس. من المستجدات في مجتمعنا التي ابتدعتها المصارف ما يسمى قروض السفر، التي جذبت الكثير من الأفراد والعائلات، وهذا مصدر من مصادر الديون الناتجة من عمليات الإقراض لأمور ليست أساسية ويمكن للفرد أن يعيش من دونها، لكن التحولات والضغوط الاجتماعية قلبتها إلى أمور أساسية.
هذا التحليل لا يعني بأي حال من الأحوال أن كل المقترضين اقترضوا لتحقيق أشياء غير أساسية، بل إن هناك من اقترض لقلة دخله وعدم قدرته على الوفاء بما يجب كعلاج أو اقتناء سكن أو غيرها، لكن هذا لا ينفي الدور الذي تلعبه محفزات الشراء التي تلاحقنا في كل مكان وكل حين في البيت وفي الجريدة، والشارع حتى أن شوارعنا تحولت إلى مطاعم وبقالات ومعارض فيها الكثير، ما يدفع إلى الشراء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي