إنذار للمحرضين .. وفرصة للمغرر بهم
جاء الأمر الملكي الصادر يوم الإثنين الماضي بكلمات حاسمة وإشارات صارمة ورسالة صريحة واضحة بالغة الدلالة عن كل من يدعو أو يحرض على أعمال العنف والتطرف والتحشيد تحت مزاعم الجهاد والتغرير بالناشئة ودفعهم إلى ساحات الاقتتال في الخارج.
جاء هذا الأمر الملكي تكريسا لنهج دأبت عليه المملكة في محاربة الإرهاب والتطرف بالقول أو بالعمل أو بالتمويل، أو بالاحتيال في غسيل الأموال والطرق المشبوهة لتسميم الاقتصاد الوطني، كما جاء إكمالا لانغلاق الدائرة على بذور الشر والفتنة والفساد من مصدر داخلي أو خارجي، لكنه أيضا فتح الباب للتوبة وأعطى مساحة زمنية قدرها شهر، بعدها عقوبة تراوح بين ثلاثة أعوام و20 عاما للمدنيين وبين خمسة أعوام و30 عاما للعسكريين.. وبما يعني صرامة لقطع دابر الإرهاب في التهييج أو في الانتماء أو في الفعل تحت قناع ديني مزعوم أو أفكار عنيفة متطرفة تقفز على الطبيعة السوية للإنسان وتستغل طيبة مجتمع محافظ ما عرف الدين إلا رحمة ومودة وما عرف من شيوخه وعلمائه إلا البعد عن كل ما يورث الشحناء والبغضاء أو يدفع للفتنة والتهلكة.
أهمية هذا الأمر الملكي جوهرية من شقين .. الأول: قول فصل ضد مروجي التطرف والعنف في الداخل وأن لا مجال لهم من التملص من مسؤوليتهم عما يبدر منهم تحت قناع الدعوة ونصرة الإسلام. أما الآخر فرفع الصوت عاليا للخارج في أن المملكة التي يتهمها البعض من المغرضين بأنها مصدر لهذا العنف ما هو إلا افتراء وتضليل إعلامي يصدر عن جهات هي التي ترعى العنف أو يدفع به، لكنها تفتري لأغراض قذرة مكشوفة لا تخفى على المراقب الحصيف، بل تتجاوزه للرأي العام خصوصا. والمملكة حظيت بشهادات عالمية من دول ومن منظمات وهيئات دولية وإقليمية في أنها خير بلد أبلى بلاء حسنا في محاربة الإرهاب وسحقه في الداخل وقدم مساعدات معلوماتية وخبرات فعلية للعديد من البلدان كانت محل كل تقدير وتثمين.
لم تعمد المملكة في حربها على الإرهاب والتطرف إلى غض الطرف عن سلوك مدمر، أو فعل مخرب على المستويين الاجتماعي والاقتصادي وإنما تعاملت مع ظاهرة الإرهاب بكل مترادفاته واشتقاقاته الشريرة، فأدارت معركتها في حراسة نظامها المالي، وفي تأمين نظامها المعلوماتي، وفي معالجة الفساد الإداري والاقتصادي وفي التجاوزات على نظامها الحقوقي، مثلما أدارت معركتها على الإرهاب الصادر عن تجار المخدرات ومروجيها، أو المتهتكين بجنايات جنسية أو جنايات غير أخلاقية، وفي الوقت نفسه أدارت معركتها الشرسة المستمرة على الإرهاب الصادر عن جماعات العنف وأفراده ممن غطسوا في مستنقع التطرف واعتنقوا فقه الكهوف ومناهج الغلو.
وظفت المملكة في سبيل القضاء على كل تلك الشرور، أدوات متنوعة جمعت بينها في منظومة من الإجراء الفعلي .. فعلى المستوى العام وجهت للتنمية الاجتماعية إنفاقا هائلا لنشر وتوفير سائر الخدمات التي يحتاج إليها المواطن مهما كان وضعه الاقتصادي، وعززت ذلك بالتوظيف والسعودة وبدل البطالة ومخصصات الضمان الاجتماعي. وعلى الصعيد الثقافي والإعلامي أتاحت قدرا متنوعا ثريا من الخطاب المرئي والمسموع والمنشور لتسييد روح التسامح والحوار الوطني وتعزيز السلم الاجتماعي ومكافحة الغلو ونبذ التطرف. وعالجت بالمناصحة من تورط في عمل إرهابي، وضبطت من شكلوا خطرا ولم يراعوا الذمم وحرمة المجتمع وقررت عليهم عقوبة السجن في مسار يفتح أمامهم باب التوبة والعودة للصلاح. واستنفد هذا الأداء الشامل جهودا جبارة من مختصين وعلماء دين ثقات، فضلا عن إنفاق هائل غطى مصادر الأخطار في حراسة ومراقبة جميع منافذ المملكة البرية والبحرية والجوية ويقظة ساهرة لرجال الأمن في المدن والقرى والطرقات، دون تراخٍ أو تأخير، وإنما بدأب وجسارة وإخلاص على جميع المستويات القيادية وإدارات الجهات المختصة.
هذا العمل الجبار المتواصل الذي جعل من المملكة محل الإشادة والتقدير، لم يقف عند حدود ما أنجز وما تم القيام به، بل جاء هذا الأمر الملكي الشفاف ليدوي في الآفاق معلنا أن المملكة تضع نفسها في صدارة العالم في محاربة كل أشكال التطرف والعنف سواء بصيغه النظرية الفكرية أو الفعلية الحركية على أرضها أو حيثما كان. وهي إذ تفعل ذلك فإنها تقول بملء الفم هذا هو الإنذار الأخير والفرصة المفتوحة الأخيرة لمن شاء أن يصغي السمع!