إلى متى سيبقى الإعلام العربي هكذا؟
على الرغم من ارتفاع نسب المتعلمين، وتوافر تقنيات الاتصال الحديثة في متناول الأيادي، وارتفاع سقف حرية التعبير عن الرأي، وتزايد الانفتاح الإعلامي وعدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ثم تنامي الوعي العربي، الأمر الذي يتوقع أن ينعكس إيجاباً على الإعلام العربي من حيث الموضوعية والمصداقية وعمق التحليل. لكن من الواضح أن الإعلام العربي لم يتمكن من التطور بما يتناسب مع التغيرات التقنية السريعة، بل ظل يافعاً تقلبه الأهواء، وتحركه الجزرة أو العصا التي يُلوَّح بها هنا أو هناك! فقلما يتحرك من منطلق الموضوعية أو المصلحة العامة إلا ما ندر! فمن المؤسف أن بعض الإعلاميين يتحركون بناء على مصلحة شخصية أو حزبية، أي أنهم إما يرجون مثوبة أو يخشون عقاباً. لا يحتاج الأمر إلى خبير ليُدرك تدني الموضوعية وضعف المهنية في العمل الإعلامي في كثير من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ما بين الانحياز لقضايا معينة أو ضدها! وهذا يتعارض مع رسالة الإعلام النبيلة وقيمه الأخلاقية ودوره المأمول في بناء المجتمعات، من خلال نقل الحقائق والأخبار بموضوعية تامة، والإسهام في تثقيف المجتمع وتنويره بالقضايا الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتقنية.
أقول ذلك وأنا أتابع بين الحين والآخر فعاليات علمية وثقافية مهمة لا يزورها صحافي واحد، في حين يكون هناك حفل ترويجي أو حملة دعائية تحضرها جميع وسائل الإعلام وأبرز الصحافيين! وتُضاف إلى ذلك الشللية والصداقات التي تفقد الإعلام مهنيته، وكذا دراسات في مصر وتونس وليبيا تؤكد أن وسائل الإعلام منحازة وتفتقر إلى المصداقية والموضوعية. والإعلام المصري مثال لفقدان المصداقية على الرغم من ريادته العربية التي تمتع بها عقوداً عديدة! كما أن قناة الجزيرة، التي حركت الركود الذي أصاب الإعلام العربي ردحاً من الزمن، بدأت هي الأخرى تفقد اهتمام كثير من المشاهدين نتيجة انحيازها أو تبنيها قضايا سياسية معينة!
والتساؤلات المهمة: هل وضع الإعلام العربي يعكس واقع المجتمعات العربية التي يفتقر أفرادها إلى الموضوعية عند النظر للأمور؟ أم هو نتاج التأثير الخارجي؟ أم بسبب شراء الذمم الذي يلوث شرفه؟ أم أن اختلاط الأوراق الدينية والسياسية والظروف القاسية التي تمر بها الدول العربية أفقدته بوصلته وتوازنه؟!
مهما تكن الإجابة عن تلك التساؤلات، فإن كثيراً من الإعلاميين العرب في حاجة إلى استيعاب أخلاقيات مهنة الإعلام code of ethics، وإن الإعلام العربي ـــ بلا شك ـــ في حاجة ماسة إلى دراسات دورية تقوم بقياس مصداقيته ومستوى موضوعيته.