الأمن الفكري خط أحمر

لا يمكن القبول بأي مساس بالأمن الفكري للبلاد، لأن حجم المخاطر الذي يترتب على الإخلال به يفوق أي أخطار، وما علينا سوى النظر إلى بعض الدول المجاورة لنعرف حجم المعضلة التي تعيشها تلك الدول، فقد أدّى انتشار الفكر المتطرّف والتحزب والانضواء تحت الأفكار التي تتبناها التيارات والجماعات، إلى انقسام وانشقاق في النسيج الاجتماعي للدولة ومعاناة تمس الأسر والأفراد وتنعكس سلباً على العلاقات في مجتمع يُفترض أن يكون منضوياً تحت لواء الوطن وشعار الدولة التي تحمي الأمن والاستقرار وتكفل للجميع الحريات بما لا يمس حريات الآخرين وحقوق الوطن على الجميع.
نعم، مجتمعنا يعاني تسرُّباً لبعض الأفكار الهدّامة التي يتم تغليفها بطريقة خادعة للبسطاء، لكنها غير خادعة لمَن يعرفون الأبعاد، ولعل أكبر مثال على ذلك توجُّه بعض الشباب للقتال في دول تعاني حروباً أهلية، وهي أقل تسمية تُطبق على واقع الحال في تلك الدول، فقد كانت البداية بسيطة جداً مجرد دعوة للتغيير والإصلاح ثم الدعوة للمجابهة ثم الانقسام الداخلي مع الإقصاء حتى وصل الحال إلى التكفير والإخراج من الملة، وأخيراً حمل السلاح والاقتتال والوقوع في فتنة الدماء وتدمير كل منجزات الماضي، وهذا واقع الحال، فأي شيء يمكن تقديمه لأولئك الذين بدّلوا نعمة الله كفرا؟ ولماذا ينخرط بعض الشباب في وهم الجهاد والمشاركة الميدانية في الاقتتال؟
هناك مَن يظن أنه يصلح في حين أنه يقع في وحل الفساد، بل يكون عوناً للظالمين، ولأن الصورة أصبحت في غاية الوضوح ولم يعد هناك من يجهل حقيقة الحال، فإن العقاب خير وسيلة لردع مَن ذهب للقتال في خارج المملكة، ومَن يفكر في الذهاب فإن عليه معرفة طبيعة الفعل الذي يقوم به أو ينوي القيام به، فالتجريم والعقاب هما الوصف الصحيح، فهي جريمة تم وضع عقاب لها بأمر ملكي صدر لمواجهة الخطورة العالية لمَن ينخرط في أعمال قتالية في أي بلد كان ولأسباب لها وجاهتها، فأولئك البسطاء ما يلبث أن يقعوا فريسة في أيدي عصابات ومجموعات تساوم عليهم وتطلب دفع الفدية أو تسلمهم لمَن يرغب في الحصول على خدماتهم وكأنهم قطيع من المواشي يتبادل تجار الحرب تسلمهم وتسليمهم.
إن العقاب بالسجن من ثلاث سنوات إلى 20 سنة بالمرصاد لأولئك المنضوين تحت رايات الفتنة والاقتتال في العراق وسورية وأي بلد آخر، فالنظام يمنع أي سعودي من الالتحاق بالقوات المسلحة لأي بلد، وستقوم هيئة التحقيق والادعاء العام بالتحقيق والإثبات للجرائم التي تنطبق عليها هذه العقوبات وتقديمهم للقضاء من أجل محاكمة عادلة، وسيعامل بالعقوبات ذاتها مَن ينتمي إلى التيارات أو الجماعات الدينية والفكرية المتطرفة، وفي الواقع أننا في أمسّ الحاجة إلى وجود آلية شرعية ونظامية يتم بها العقاب وتحقيق مبدأ الردع والزجر، فقد بلغت معاناة بعض الأسر أن تقدّموا بشكاوى وبلاغات ضدّ المحرضين على الالتحاق بالجماعات المسلحة في بعض الدول المجاورة.
وليس هناك خوفٌ على وحدتنا الوطنية سوى من المتطرفين في الفكر الذين جعلوا من الدين مطية لغاياتهم السياسية ومعهم بعض الجهلاء من التابعين الذين ينقادون لكل ناعق ومدّعٍ رفع البلاء عن الأمة، وهو في الحقيقة زارع للفتنة ومثير لها ومنادٍ بها في كل ميدان.. فماذا ننتظر من أولئك وهم يسرحون ويمرحون ويسافرون إلى بلاد الفتنة ويعودون ليحكوا بطولاتهم وإنجازاتهم ليعيدوا إنتاج الإرهاب مرة أخرى؟ ومثل هؤلاء ليس لهم سوى السجن حلاً لنكفي المجتمع شرورهم ولنوقف ضررهم عن الأمة ولنضع حداً فاصلاً بين المسموح به والممنوع منه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي