Author

التخلف السياسي وأبعاده الحضارية

|
طلب المنظمون تقييم الفترة التي مر بها العرب منذ الندوة الرئيسة التي ناقش خلالها عدد من المختصين والأكاديميين العرب مستقبل المنطقة في عام 1974، وذلك في ضوء البحوث والتعليقات التي ألقيت خلال تلك الندوة. قدم أمام تلك الندوة ثلاثة بحوث كان أبرزها بحث الدكتور نديم البيطار علق على تلك البحوث تسعة من أشهر المفكرين العرب في ذلك الوقت. في البداية لا بد من الإشارة إلى أن المعلق غير متخصص ولا مغرم بالمطارحات الفكرية رغم كثرة قراءاته، وبالتالي قد يبدو تعليقه غير مألوف لأولئك الذين امتهنوا حرفة الفكر. لذا أستميحكم عذراً إن جاءت تعليقاتي مصبوغة بنكهة عملية أملتها سيرة حياتي المهنية ومعايشتي لكل من التعاون الاقتصادي العربي، ومحاولات دول مجلس التعاون بناء كيان موحد خلال الـ 33 سنة الماضية. إن الأوراق الثلاث التي قدمت لملتقى القرين الثقافي عام 1974 والتعليقات التي تناولتها آنذاك لامست بكثير من الجدية والموضوعية مختلف جوانب التخلف السياسي العربي التي لا تزال مظاهرها بادية للعيان إلى يومنا هذا. سأتناول هذه المواضيع بشيء من التفصيل، لكن قبل ذلك لا بد من الإشارة إلى بعض مصطلحات ذلك العصر التي تسربت إلى البحوث والتعليقات، والتي قد لا تبدو مقبولة في وقتنا الحاضر مثل النضال/ العمل التقدمي/ العمل الثوري/ الاشتراكية بما في ذلك الاشتراكية العربية/ شرعنة الدكتاتورية الثورية/ سحق الأنظمة والطبقات التقليدية/ الحزب القومي أو الحزب القائد... إلخ. هذه المصطلحات في وقتنا الحاضر قد تدخل في ما أسماه نديم البيطار (التخريجات اللفظية والمفاهيم الإنشائية) التي ابتدعها الشيوعيون أو من يشاركونهم بعض ميولهم اليسارية وأسلوبهم في التحليل. وطالما أن التجربة الإنسانية تجاوزت تلك الحقبة، فإن مفرداتها هي الأخرى في طريقها للاضمحلال. التعريف أول نقطة في الموضوع المطروح هي تعريف التخلف السياسي. - أحدهم يعرفه بأنه هو التفسير الماورائي (اللاهوتي) عوضاً عن التفسير العلمي. هذا التعريف ــ إن صح ــ يتناول الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، بما في ذلك الدول العربية: خذ مثلا عالم الصواريخ الذي يرتدي معطفاً بعينه عند إطلاق صاروخ من صنعه متجه للفضاء. أو رئيس أكبر دولة عندما لا يتخذ قراراً مهماً قبل استشارة العرافات. أو رئيس آخر للدولة نفسها يشن أكثر من حرب (بوحي إلهي). تعريف آخر يقول إنه (الهبوط عن المستوى السياسي الذي وصل إليه العرب في الماضي)، بمعنى أنه لو أعيد النظام السياسي السابق لتحقق التقدم السياسي. وهذا لعمري ينم عن جزء كبير من التبسيط (لأن كل مرحلة تاريخية تلغي سابقتها كما ذكر البيطار). تعريف ثالث يقول إن التخلف السياسي هو تخلف الأنظمة عن تحقيق أهداف الأمة. هذا التعريف ابتعد عن ملامسة القوانين والأنظمة والأجهزة وطرق اختيار المسؤولين، وبالتالي لم يأت بجديد. في تصوري أن أي تعريف مقنع لا بد أن يتناول أركان الحكم الثلاثة، وهي القوانين والأجهزة واختيار المسؤولين السياسيين. كما أنه لا بد أن يجيب عن سؤال آخر لا يقل أهمية وهو هل التخلف السياسي ناتج عن تخلف الأنظمة ذاتها أم أنه أحد إفرازات التخلف الاجتماعي والثقافي والتاريخي... إلخ؟ وأشار أحد الباحثين إلى أن (التخلف بالدرجة الأولى سياسي) وأن هذا التخلف السياسي انعكس على الأوضاع الاجتماعية والثقافية والتاريخية. وعليه هل يمكن الاستنتاج أن حل مشكل التخلف السياسي سينسحب إيجاباً على بقية أشكال التخلف. إلا أن باحثاً آخر عندما طرح سؤالاً حول أسباب عجز الأنظمة السياسية العربية عن مجاراة حركة التاريخ أشار إلى أن الجواب يكمن في الأوضاع الاجتماعية والثقافية والتاريخية، أي أن التخلف السياسي ناتج عن تخلف الأوضاع الأخرى. لا بد للباحث الجاد أن يعطي جواباً مقنعاً. الوحدة العربية النقطة الثانية هي موضوع الوحدة. وهنا أيضاً لا بد من توجيه عدد من الأسئلة. منها هل الوحدة حتمية (قدرية)؟ يجيب أحد الباحثين بالنفي، مؤكداً أن وحدة العرب لم تتحقق إلا في فترات تاريخية محدودة، وبالتالي فهي مطلوبة ليس لذاتها وإنما لتحقيق أهداف استراتيجية أخرى للأمة، كالقوة العسكرية لصد الطامعين والتقدم الاقتصادي وتحقيق الرفاه للمواطنين عن طريق توسيع السوق وزيادة تدفق الاستثمارات والعمالة وعناصر الإنتاج الأخرى لرفع معدلات دخل الفرد والوصول إلى مستويات تقنية عالية، عن طريق حشد المزيد من الموارد والعقول لإجراء البحوث وتحقيق الإنجازات العلمية أسوة ببقية الأمم. بكلمة أخرى إنها - كما قال أحد الباحثين – أداة الانتقال من التخلف إلى التقدم. لكن رغم التبشير بالوحدة العربية منذ بدايات القرن الماضي إلا أنه – كم أذكر البيطار – لا توجد دراسات ولا خريطة طريق للوصول إلى ذلك. إن الوصول إلى الوحدة عملية معقدة للغاية وتحتاج إلى وقت طويل. وأول شروطها هو التفاوض بين أطراف متكافئة للوصول إلى تفاهم يضمن مصالح كل طرف. فسنوات الضم ولت إلى غير رجعة. إلا أنه لا ينبغي الانتظار حتى تكتمل الدراسات ويعرف كل طرف ماذا سيجني من هذه الوحدة. فالتجربة الأوروبية (رغم تقليل الدكتور بيطار من أهميتها) وتجربة دول مجلس التعاون، أظهرتا أنه في الوقت الذي يتم فيه الترابط والتكامل بين الوحدات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسة المختلفة تتم إلى جانب ذلك عملية بناء المؤسسات الاتحادية واستكمال بناء المؤسسات الوطنية التي لم تكن موجودة قبل الوحدة. إضافة إلى ذلك، وباعتبار الدول العربية دولاً نامية لم يستكمل فيها بناء المؤسسات ولا كتابة كامل المنظومة القانونية، فإن الوحدة تعتبر حافزاً إضافياً لاستكمال هذه النواقص. بمعنى آخر الوحدة لا بد أن تكون تدريجية وتعليمية في الوقت نفسه، بحيث يتم حل المشكلات أثناء بروزها لأنه لا يمكن التنبؤ بهذه المشاكل ووضع حلول لها قبل البدء في اتخاذ الخطوات الوحدوية. بل إنني أزعم أن الشروع في تحقيق الوحدة تدريجياً سيؤدي إلى انتشار وتجذر التجربة الديمقراطية في كل الدول العربية الداخلة في العملية الوحدوية بدافع المحاكاة وضرورة المرحلة كما لمسنا ذلك في مجلس التعاون، وإلى حد أكبر في مسيرة الاتحاد الأوروبي. وقبل الاسترسال في تشييد ما قد يعتقد البعض أنه تخطيط في الرمال أو رسوم على الماء سأتناول سؤالين مهمين تفرضهما المرحلة: الأول هو أن العرب منذ عام 1945 أوجدوا الجامعة العربية للتعبير عن وحدتهم ومصيرهم المشترك ومناقشة مختلف قضاياهم السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الأمنية. وقد انبثقت عنها مؤسسات وهيئات متخصصة وصناديق تنمية وتعاون في مختلف المجالات وشركات استثمارية في المجالات الصناعية والزراعية والثروة الحيوانية والبترولية والنقل البحري ... إلخ. كما وقعت الدول العربية في إطار الجامعة اتفاقيات وأنشأت اتحادات لمختلف الأنشطة، ومن ذلك اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار واتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي مضى على دخولها حيز التنفيذ أكثر من عقد، ومع ذلك لم نقترب قيد أنملة من الوحدة أو أي نوع من أنواع الاتحاد .. لماذا؟ أعتقد أن هناك أسبابا عدة أذكر منها اثنين على سبيل التحديد: - إن مؤسسة الجامعة أنشئت ليس لتحقيق الوحدة أو أي نوع من أنواع الاتحاد، إنما للمحافظة على استقلال أعضائها وحمايتهم من التعديات التي قد تحدث من بعضهم على البعض الآخر، كما أثبتت الأحداث ذلك. وعليه فإن مؤسسة الجامعة العربية بفلسفتها وهيكلتها الحالية لن تتمكن من تحقيق الاتحاد المنشود. - إن مؤسسات وصناديق التنمية والتعاون الاقتصادي وشركات الاستثمار في مختلف القطاعات التي أنشئت في إطار العمل الاقتصادي العربي المشترك في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لم يكن الهدف من إنشائها تحقيق الترابط القطاعي للاقتصادات العربية ونموها المشترك، بل إيجاد قنوات إضافية لتحويل جزء من الأموال من دول الفائض إلى دول العجز. حتى تلعب هذه المؤسسات الدور المنشود في المساهمة في دفع جهود الوحدة إلى الأمام لا بد أن تقوم الدول العربية بإعادة النظر في الأهداف التي حددت لهذه المؤسسات. والآخر هو أن عدداً من الدول العربية الرئيسة منها والصغيرة تمر بمخاض سياسي خلص بعضها من أنظمة لم تستطع مجاراة العصر، لكنه في الوقت نفسه أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار وخلق متنفساً لنعرات كانت مختبئة تحت الرماد من خلافات دينية ومذهبية وقبلية ومناطقية. فكيف لنا في هذا الجو السياسي المدلهم أن نتحدث عن دول قادرة على إدارة شؤونها ناهيك عن وجود أي توجه نحو أي نوع من العمل الوحدوي؟ يجب ألا ننسى أن أوروبا بدأت خطواتها الوحدوية بعد حرب طاحنة أعادت رسم الخريطة السياسية الأوروبية وأن الوحدة الأمريكية لم تتحقق فعلياً إلا بعد أكثر من 100 سنة بعد الاستقلال تخللتها حرب أهلية مدمرة. لذا فإن الكاتب يشارك الدكتور البيطار تفاؤله (رغم اختلاف الزمان) بأن الحراك السياسي العربي سيحقق أهدافه ولن ينكفئ على نفسه كما يتمنى أعداؤه. التحديات الأخرى النقطة الثالثة تتناول التحديات الأخرى من داخلية وخارجية والتي يتعين على قيادات الدول العربية فرادى ومجتمعين التعامل معها بكل الجدية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن البحوث التي قدمت عام 1974 تناولت موضوع الوحدة بشيء من التفصيل، إضافة إلى التحدي الإسرائيلي ودور القائد في صنع مستقبل الأمة العربية ومركزية الحزب السياسي (أو الحزب القومي أو القائد) في الهيكلة السياسية للدول العربية. إن ما سأورده من تحديات يعطي وزناً أكبر للجانب الاقتصادي بحكم تخصصي ولا شك أن أصحاب الاختصاصات الأخرى أقدر مني على إبراز التحديات التي يرونها أكثر إلحاحاً: أ- أول هذه التحديات هو العامل الديموغرافي، فالزيادة السنوية للسكان في الدول العربية تعتبر من أعلى النسب عالمياً **. كما أن الزحف من الأرياف إلى المدن يسير على قدم وساق بخطى متسارعة. يمكن النظر إلى هاتين الظاهرتين نظرة إيجابية حيث تتوافر عن طريقهما للدول العربية قوة عمل شابة وقوة شرائية أكبر إذا توافرت الإمكانات وأحسن استغلالها سيزيد من معدلات النمو الاقتصادي. لكنها قد تتحول إلى قنابل موقوتة إذا أهملت تطلعاتها نحو الحرية والعيش الكريم. إن تفعيل التعاون الاقتصادي العربي سيسهم بلا شك في استغلال الجانب الإيجابي لهذا التحدي. ب - دون الدخول في مداولات فكرية أو مماحكات سفسطائية أثبتت التجربة أن الشيوعية أو أي من استنساخاتها الاشتراكية لا تصلح كنظام سياسي يحقق تمثيلاً عادلاً لكل فئات الشعب والشفافية في اتخاذ القرارات. كما أنها كنظام اقتصادي عجزت عن تحقيق التنمية المطلوبة وتكافؤ الفرص. كما أن نظام الحزب الواحد والحزب القائد والحزب القومي إلى غير ذلك من الأسماء فشلت في القيادة وفي تحقيق العدالة والنمو. لذا فإن التمثيل البرلماني هو أصلح نظام سياسي. والمبادرات الفردية هي أنجع السبل لتحقيق النمو الاقتصادي. لا شك أنه سيكون لذلك بعض إفرازات سياسية واقتصادية واجتماعية غير محمودة تستطيع السلطة الوطنية التخفيف من آثارها عن طريق عدالة القوانين والمساواة في التطبيق، وتبني شبكات أمان اجتماعية تعالج هذه الإفرازات، وتشجيع إقامة المنظمات غير الحكومية للقيام بأدوار رديفة ومساعدة ومراقبة للأجهزة الرسمية، إضافة إلى أجهزة الرقابة الأخرى من تشريعية ووسائل إعلام. ج - لعب قطاع الطاقة وعلى الأخص البترول والغاز دوراً محورياً في إعطاء معنى اقتصادي ومصلحي للتعاون العربي، حيث أسهم في إيجاد فرص عمل لملايين العمال العرب ووفر التمويل اللازم لمشاريع التنمية الاقتصادية والهياكل الأساسية في الدول العربية المنتجة وغير المنتجة. إلا أن التقدم التكنولوجي سواء في مجال استخراج الوقود الصخري أو في مجال الطاقة البديلة قد يهدد في القريب العاجل هذا الدور. لذا فإن على المسؤولين العرب دراسة هذه النقطة وإيجاد وسائل فاعلة للتعامل معها. ومن تلك الوسائل إمكانية النظر في تبني برامج مشتركة في مجال الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية. إن هذا التوجه ينسجم مع الاتجاه العالمي نحو الطاقة النظيفة وحماية البيئة. ومن نافل القول إن نقص المياه في الدول العربية الذي تمت دراسته ومناقشته في الكثير من المؤتمرات واللقاءات الرسمية وغير الرسمية يشكل تحدياً كبيراً لا يقل أهمية عن سابقه. د- إن الخريطة الاقتصادية ومعها الأولويات الاقتصادية في العالم دائمة التغير، ليس فقط بانتقال الثقل الاقتصادي شرقاً، إنما بتحول القوى التي كانت استعمارية إلى شريكة تجارياً واستثمارياً. فأعداء الأمس تحولوا إلى أسواق اليوم ومصدري التقنية والخبرة الإدارية. يضاف إلى ذلك أنه رغم الاتفاق الأخير لمنظمة التجارة العالمية في إندونيسيا إلا أن العالم فقد الأمل في جعل هذه المنظمة أكثر فاعلية وبدأ التوجه نحو الاتفاقيات التجارية بين المناطق الجغرافية المختلفة. فالولايات المتحدة بعد أن نجحت اتفاقيات التجارة الحرة بينها وبين دول الأمريكتين دخلت في مفاوضات للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي من جهة ومع دول المحيط الهادي من جهة أخرى. وينوي الاتحاد الأوروبي أن يحذو حذوها.. أين مكان العرب من كل هذا؟ هـ - لأسباب تخصها تسعى الدول الأوروبية إلى تعزيز علاقتها مع الدول العربية الواقعة جنوب المتوسط التي من جانبها ترحب بهذا التوجه لما سيجلبه لها من مصالح. فإذا تعزز هذا التوجه باتفاقيات لتدفق التجارة والاستثمار وترابط المصالح كما تشير التوقعات، فإن الارتباطات التاريخية بين مشرق الوطن العربي ومغربه ستصبح أقل أهمية. لذا فإن على العرب تعزيز ترابطهم الاقتصادي والتفاوض مع الكتل الاقتصادية العالمية كسوق واحدة. و- ما زالت إسرائيل تشكل خطراً على جميع الدول العربية ليس فقط بسبب قوتها العسكرية واستمرارها في احتلال جزء من أراضي دول عربية وإنكار حق العودة للشعب الفلسطيني وحرمانه من إقامة دولته المستقلة على الأراضي الفلسطينية، إنما أيضاً بفعل تفوقها التكنولوجي الذي سيشكل خطراً محدقاً على المقدرات الاقتصادية العربية عن طريق إمكانية شن حرب إلكترونية لتعطيل تلك المؤسسات وتخريبها دون الحاجة إلى إرسال جندي واحد. إن على العرب الاستعداد تقنياً لهذا النوع من الحروب سواء كانت موجهة من إسرائيل أو من أي دولة أخرى ذات مطامع غير مشروعة أو نيات غير سليمة. ز- بعد عداء بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وإيران من جهة أخرى استمر أكثر من 33 سنة، ودون الدخول في التفاصيل، تبدو في الأفق بوادر اتفاق بين الطرفين تقوم بموجبه إيران بتخفيض التخصيب مقابل إطلاق يدها في المنطقة (بعد أن تم لها ذلك في كل من العراق وأفغانستان). وحشدت إيران لذلك حلفاء في المنطقة دربتهم ومولتهم وسلحتهم، ما سيهدد من جديد دول المنطقة ووحدتها وأمنها واستقرارها وبرامجها التنموية. هذا التهديد غير موجه لدولة عربية بعينها، إنما يطول جميع الدول العربية، خصوصاً تلك القريبة من إيران جغرافياً. وفي الوقت الذي يأمل فيه الجميع أن تتحول إيران إلى دولة عادية تحترم حدود وحقوق وأنظمة وتطلعات الآخرين إلا أن الماضي القريب غير مطمئن. حتى هذه الندوة الصغيرة التي تتكون من خبراء وفنيين وأكاديميين عرب يجتمعون لمناقشة مستقبل الدول العربية دون مشاركة مسؤولين رسميين من أية دولة عربية بما في ذلك الدولة المضيفة ـ الكويت ـ تقر إيران وتضغط كي يشارك في أعمالها السيد غلام الحداد رئيس اللجنة الثقافية في مجلس الشورى الإيراني، ويلقي خطاباً في جلسة العمل الأولى ومداخلة في جلسة لاحقة، رغم أنه غير مدعو للمؤتمر. وكأن المطلوب هو أن نستبدل الحكم الاستعماري الغربي للدول العربية ومن قبله الهينمة التركية العثمانية بتسلط إيراني. لذا فإن على جميع الدول العربية الاستعداد لدرء هذا الخطر المحدق. التاريخ النقطة الرابعة والأخيرة هي قضية التعامل مع التاريخ الذي قال عنه الدكتور البيطار (إنه يرهق ككابوس مروع عقل الأحياء). إننا نعطي نوعاً من القدسية لتاريخنا ونمجد أبطاله ونصورهم ككائنات فوق البشر إلى درجة تصوير الأحياء وكأنهم غير قادرين مهما أوتوا من قوة أو ذكاء أو دهاء أو تجربة من مجاراة أولئك العظماء الذين صنعوا تاريخنا "المجيد". لا بد من حشد الجهود لإعادة كتابة تاريخنا بحلوه ومره وتخليصه من تلك الهالة التي تكبل الأحياء. إن هذا النداء ليس بجديد، فكل أمم الأرض أعادت النظر في تاريخها مهما كان مجيداً وتركته يستريح وانطلقت لبناء مستقبلها. * هذا التعليق ألقي أمام الندوة الرئيسة لمهرجان القرين الثقافي في دورته العشرين التي عقدت في الكويت خلال الفترة من 14 إلى 16 يناير 2014، وذلك في محورها الرابع الذي خصص لمناقشة "التخلف السياسي وأبعاده الحضارية".
إنشرها