ماذا لو امتدت يدٌ وسرقتْ جزءاً من كلّ؟

الحياة كالسيمفونية.. الوحدة في التنوع.
إن كل جهاز في السيمفونية يختلف تركيبا وصوتا عن الآخر تماما، وفي النهاية تنتج الكل المتماسك الذي هو السيمفونية. أي أن كل جزء يعمل بطبيعته، وعندما تتداخل في عمل لتكون كلاًّ واحداً، تختفي صفاتُها الفردية في سبيل الوحدة الكلية.
لا نستطيع أن نقول عن وحدةٍ كليةٍ إن أجزاءها تجمعت كيفما كان، بل هي أجزاءٌ بعينها إن اجتمعت واتحدت وتفاعلت صارت تلك الوحدة المراد أن تكون.. إن تجميع أجزاء كيفما كان لن يكوّن وحدة متكاملة عاملة، بل مجموعة أجزاء غير متلائمة ولا متراكبة مثل طوابير المحاربين المرتزقة، بينما تكون الأجزاء المختلفة كالمشاة والمدفعية والطيران والبحرية تشكل الجيشَ الواحد المنظم الذي نسميه باسمه الكلي، وليس باسم جزءٍ من أجزائه.
تختلف الوحدة الكلية التي هي الماء عن عنصريه اللذين يتألف منهما ظاهريا، وهما ذرتا الهيدروجين والأكسجين. والحقيقة المؤكدة إذن مركبات الكل المتنوعة تشكل الكل، عندما تكون خاصة بهذا الكُل، فلو تغير الأكسجين والهيدروجين لما صار الماءُ ماءً، ولو اختل التركيب العنصري فيهما فلن يكون ماء أيضا. هي وحدة في تنوع ديناميكي.
وقد يكون اختصاص الأجزاء ضخما كما في خلايا الحيوان، أو في امتزاج الحياة النباتية والحيوانية في نطاق التفاعل الكلي، ومع ذلك تتعاون تلك الأجزاء على نحو إرادي أو غير إرادي في سبيل تحقيق أهداف الوحدات الكلية. أجسامنا من تركيبات خلايا وأنسجة أعضاء تعمل بانسجام في تكامل وتبادل في أكبر إتقان يعرفه العقل البشري لتحقيق أهداف الإنسان كوحدةٍ كلية.
وما نجده فيما خلقه اللهُ في طبيعته المادية نجده الآن في المعرفة، تحقيقا لرؤية أن القوانين الكونية تلائم وتمازج الحقيقة الحياتية البشرية بحقولها المتنوعة. بالمعرفة العلمية نرى علما كُليّا كالكيمياء، وعلما كليا كالجيولوجيا، يكونان جزءين في علمٍ جديد بوحدة كلية هو علم الجيوكيمياء، وأمثلة كثيرة مثل الاقتصاد الاجتماعي، والإيكولوجيا، والجيوفيزياء، والطب النفسي.
وهنا تقف وتتأمل أن الكلَّ الواحدَ حتما من أجزاءٍ متفرقة، مختلفة بتركيبها المستقل، وتتجمع لتشكل وحدة حتمية لا يمكن لهذه الوحدة أن تكون لولا تلك العناصر المختلفة. هنا يكون المجدُ للتنوع، الذي ينتج المجدَ للكل المتحد. من دون ذلك تخرب كل وحدةٍ عاملة متكاملة.
حتى في الأوطان..
الوطن كتلة واحدة، ويتكون من أجزاء، وهي المجتمعات اللونية والإثنية والطائفية داخله التي تنضم بتنوعها لتشكل كُليّة الوطن.
تصوّر ماذا سيحدث لو امتدت يدٌ من الخارج أو الداخل وسحبت أحدَ هذه الأجزاء؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي