كرسي الحلاق
كرسي الحلاق
من عادتي في كلّ ليلةِ سبت أن أتوجّه إلى "آزاد"، وهو حلّاق تركيّ -لمن لايعرفه-، أسلّم نفسي له، فيرتّب شعري، ويهذّب ذقني؛ استعداداً لبداية اسبوعٍ جديد. وما إن أجلس على كرسيه، حتى يجوب بي بأحاديثه شوارع اسطنبول، ويتحدث عن جمال طبيعتها، ثم ينتقل ليسرد لي أحداث اليوم التي استخلصها ممن كانوا قبلي على كرسيه هذا!
لم أكن لأقاطعه.. كنت فقط أومؤ برأسي بين الحين والآخر حتى يصلهُ اندماجي في أطروحاته، حكى لى آزاد في أحد المساءات: ( جاء إليّ اليوم جحش، يعمل في شركة راتبه فيها 4000 ريال، متزوّج ودوامه من الصباح إلى المساء، أبوه أجر له شقة ومعطيه سيارة،) ثم ضحك وقال: (راتبي أنا أعلى منه، أستلم 4500 ريال، أنا لو إني سعودي ما اشتغلت في الشركة هذي، بلدكم فيها خير ..لكن أنتم كسلانين) ثم أطرق يقول: (أبوي كان عنده مطعم في جدة، وكان يعطي السعودي 15000 ريال كل شهر، بحيث مايتدخل في شيء، والمطعم يدخل يوميا 5000 ريال، "يعني بالشهر 150000 ريال، قبل خصم المصاريف الشهرية طبعاً"، وسافر والدي في إجازة لتركيا، استغل السعودي سفره، ورحّل العمالة التركية وبدلهم بعمالة هندية، علشان يخفض التكاليف، ويستفيد هو! لكن نزلت أرباحه بين 1500 إلى 2000 ريال شهرياً)! تحدّث لي "آزاد" بطيب نية، ولم يعلم أنه قد باح بسرّ! وأن هذا الموقف سيخرج على شكل كبسولة لإيقاظ شبابنا علّهم يدركون!
في آخر زيارة لي للحلاق، أخبرني أنه سوف يرحل ثم يعود بتأشيرة جديدة،ولما سألت عن السبب أجاب بأنه اتفق مع أحد السعوديين أن يجهّز له المحل مقابل أن يعطيه 1500 ريال عن كل كرسي شهرياً! ولا أخفيكم أنه في أول مره قابلته فيها قبل سنه ونصف كان لايتحدث العربية، ولا يعرف أيّ شيء، شغفه بتعلّم الصنعة قاده لفهم أسرار الفرص في هذا البلد، وعلم أن هناك عينة من شبابنا لايملكون العزيمة للمتابعة والاخلاص، همّهم فقط الاستمتاع بيومهم و"كم يجيني آخر الشهر"!
كم من الفرص في مجتمعنا تنتظر شاباً طموحاً ينفض غبار الكسل، يمتلك الهمة العالية، ويتوشّح بالصبر؟ خاصّة مع التعديلات الجديدة لأنظمة العمل،يؤلمني أن يوجد شاب عاطل في مجتمعنا ينتظر الوظيفة!أو يتصبّر على مرتب 3000 ريال من شركة تتركه عند بوّابتها تحت أشعة الشمس يحرسها، لماذا لاتصنع وظيفتك ؟ فهناك آلاف البرامج الداعمة لمشاريع الشباب تقدّم الدعم المادي والفني لك تنتظر زيارتك، ويكفينا قوله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم: «ما أكل أحدكم طعاما قط، خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمد يده» أحمد، والبخاري.