استيعاب الثقافات العالمية في المناهج التعليمية
في مؤتمر عنوانه ''صورة الآخر'' أعلن وزير التربية والتعليم، عن دراسة المناهج التعليمية في السعودية، لمراجعتها وتطويرها، وذلك لتحقق الاستيعاب الواعي والفهم للثقافات العالمية، وهذا التطوير سيشمل عددا من المقررات النظرية كمرحلة أولى خلال الأعوام المقبلة، وذلك بإدخال عدد من ثقافات وعادات الدول في المناهج، ومن المتوقع أن يسهم هذا في فهم الآخر ومن ثم تعزيز قيم التسامح. ولعل أهم تعليق يمكن قوله في هذا الجانب هو تلك العبارات الرائعة التي أكدها الأمير فيصل بن عبد الله وزير التربية والتعليم، من: "إن الحوار أكبر من أن يكون منهجاً دراسياً، إلا أنه من الأهمية أيضاً أن تكون البيئة صالحة ومؤهلة للحوار مع الآخر، وهو الأمر الذي يتحمل التعليم العبء الأكبر لتحقيقه".
من المهم أن نفهم هذه العبارة الأخيرة جيدا، فالحوار منذ نادى به خادم الحرمين الشريفين أصبح قضية ثقافية عالمية، وأصبحت تعقد من أجله المؤتمرات العالمية، ويلتقي في أروقتها جموع من مثقفي العالم، بمختلف ميولهم واتجاهاتهم الفكرية، هدفهم واحد، لقد استوعب العالم من خلال كل الحروب الطاحنة الكبرى التي مر بها، أن الحوار وسيلة مناسبة لوصول كل طرف إلى تحقيق أهدافه أو التوصل إلى تسويات مرضية لكلا الطرفين، وهذا يقتضي تنقية الأجواء من مفاهيم الصراع، تلك المفاهيم التي تنشأ في التعليم ويتم تلقينها للنشء على أساس أنها هي الحل الأمثل لكل الخصومات خاصة مع الآخر المختلف عنا ثقافيا ودينيا. هذه المفاهيم الحادة يتم تلقينها للطلاب (في كلا الطرفين) على أساس أنها قضية دينية لا نقاش فيها على الرغم من أن الرسل جميعا جاءوا من عند الله بثقافة (وجادلهم بالتي هي أحسن)، وجاءوا بمفاهيم عميقة جدا في الحوار مثل الشورى، والصلح، ولقد ضرب الله لنا مثلا في الحوار الجاد المثمر الذي توصل إليه الطرفان في صلح الحديبية وما نتج عنه من أمان للناس في معيشتهم جعلهم يتعرفون على الدين الحق من غير خوف ولا رهبة، هو الأمر الذي جعل معظم القبائل المترددة تدخل في دين الله أفواجا. ولقد تعاظمت الوفود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما وضعت الحرب أوزارها، وجاءت كتب السيرة تروي لنا أغرب القصص عن أروع المواقف في الحوار والنقاش الهادئ للرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الآخرين حتى يستوعبوا المعاني الحقيقية لهذا الدين. ومع أن النبي كان مؤيدا معصوما من عند الله، ومع أن الغلبة كانت للمسلمين فلم يختر الرسول غير الحوار سبيلا لإقناع الناس. فما أحوجنا نحن اليوم إلى هذا المنهج والأمة تمر بمرحلة ضعف والآخر يمتلك من القوة الاقتصادية والعسكرية والتحالفات الكثير.
الحوار وسيلة حضارية، مارسها الرسل، والصدِّيقون والفلاسفة والعقلاء، على مر العصور، لكن الحوار عملية سهلة ممتنعة في آن معا، فهي تحتاج إلى تدريب كبير وفهم للآخر وطبيعته، فهم لعاداته وسلوكياته، فالرسول الكريم يضرب لنا مثلا عن محاورة الإنسان بما يفهم في كثير من المواقف، ومن ذلك حواره المشهور مع عدي بن حاتم الذي أشار فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى عدد من المفاهيم التي كان يؤمن بها عدي، وكان الفهم العميق لها والأصيل عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي زعزع موقف عدي منها فآمن على الفور. لذلك فإن فهم الآخر قضية أساسية في العملية التعليمية، ولكنها تحتاج إلى جهد كبير ووضوح في الهدف حتى يتم إدراجها في المناهج التعليمية وعند مستويات معينة بشكل يجعل الطالب يعتز بدينه وثقافته أولا ثم هو قادر أيضا على تفهم موقف الآخرين.