لا رجعة عن الإصلاحات
بلادنا تعيش مرحلة مهمة وضرورية عادة ما تعقب مرحلة البناء والتشييد. وأقصد هنا بناء الإنسان وتشييد كل ما يمكنه من أن يعيش حياة كريمة طيبة سمتها التحضر والرقي واستمرار التقدم والنبوغ. وليس مستغربا أبدا أن ترتكب أخطاء في مراحل البناء والتشييد المختلفة، فذلك شيء طبيعي جدا، بل هو سمة من سمات البشر كلهم، ولكن من غير الطبيعي أبدا ترك الأخطاء دون إحصاء ومن ثم تصحيح. إحصاء الأخطاء وترتيب أولويات الإصلاح حسب الأهمية وحده ما يضمن استمرار الحياة بوتيرة سلسة وبإيجابية مطمئنة ومريحة. وبلادنا - ولله الحمد - وفقت في ترتيب أولويات ما ينبغي إصلاحه وإعادة ترتيبه بما يحول السلبي إلى إيجابي بأقل درجة من الأخطاء والانحرافات. وعادة ما نجد منتفعين من الأخطاء، وهؤلاء المنتفعون لا يألون جهدا في محاولة إحباط جميع أعمال الإصلاح، وذلك حفاظا على مصالحهم التي لا يمكن لها أن تنمو وتزدهر إلا في ظروف فوضوية يسودها تسيب قانوني وحقوقي. ولعل أوضح الأمثلة على هذا الوضع الأصوات الناقدة للحملة الموفقة لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة وما أعقب الحملة من جولات تفتيشية.
لم يستفز مشاعر الناقدين للحملة الأوضاع غير الإنسانية لكثير من المقيمين المخالفين، والذين كان كثير منهم يعانون من استغلال بل وحتى ظلم البعض لهم وللأسف الشديد، ذلك أن كثيرا منهم كان يخاف من المطالبة بحقه المسلوب نتيجة لإقامته غير القانونية. كما لم يستفز الأصوات الناقدة انخراط بعض المخالفين في أنشطة إجرامية، تضرر منها الوطن، كما صرح بذلك أكثر من مسؤول في الدولة. الواقع المشاهد يؤكد أيضا أن المخالفين لأنظمة الإقامة أحدثوا خللا حقيقيا في الهيكل العمالي للقطاعات الاقتصادية، مما أحدث واقعا غير صحي تضرر منه كل ملتزم بالقوانين العمالية، سواء كان رجل أعمال أو موظفا، مواطنا أو مقيما نظاميا. ومع كل تنظيم جديد يهدف لتسهيل حياة المجتمع، ومع كل تفعيل لقانون يهدف لتحقيق العدالة، نسمع أصواتا تحذر من الإصلاح، وتشكك في نوايا المصلحون، وتسخط وتشجب كل تفعيل قانوني يحقق العدالة ويؤدي للتنمية.
إن الدولة ماضية في طريق الإصلاحات التي تحقق التنمية والعدالة والنمو وفق أولوية قائمة على أهمية ذلك لأمن المواطنين وراحتهم ورفاهيتهم. فإصلاح الأخطاء والمخالفات أمر لا بد منه للاستمرار في النمو الاقتصادي والأمن الاجتماعي. أما الأصوات المحبطة والمشككة، فلم تعد تثير سوى السخرية من الواقع الذي يعيشه من يقتات على الفوضى والمخالفات، واقع انكشف أمام الجميع، ولم يعد يملك من ارتضى لنفسه الانغماس فيه أن يخبئه عن أعين الناس. إن العدالة تقتضي أن يتم التعامل مع المخالفات القانونية بكل حزم وصرامة، دون الإخلال بحقوق المخالفين، والحقيقة المشاهدة التي نعيشها تؤكد أن أجهزة الدولة تقوم بواجباتها في الإصلاح بكل كفاءة وجودة تنفيذ.
إن النجاح الذي حققته حملة الجوازات ووزارة العمل على المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل، رغم كل المحاولات لإفشالها من قبل المخالفين، تأتي كتأكيد على أن بلادنا ستتخطى جميع السلبيات التي كانت قائمة فيما مضى. والتي أثرت سلبيا في واقعنا الأمني والاقتصادي والاجتماعي كذلك. قائمة الاصلاحات التي تمت طويلة، والقادم من الأيام يحمل إصلاحات أخرى يصعب عدها، إصلاحات ستضمن لبلادنا مستقبلا مشرقا مضيئا بعون الله وتوفيقه. نجحت بلادنا في ترتيب أولويات ما ينبغي إصلاحه، كما نجحنا -ولله الحمد- في تنفيذ خطط الإصلاح بأقل قدر ممكن من الخسائر. لا يمكن للإصلاح إلا أن يأتي بخير، ولا يمكن لبلادنا إلا أن تنمو وتزدهر في ظل قيادة عظيمة وشعب سعودي وفي ومعطاء ومتطلع للمستقبل.