عملاء المصارف .. ومسار «ساما» الجديد (2 - 2)

في المقال السابق تحدثت عما تضمنته "مبادئ حماية عملاء المصارف" التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي أخيراً من حقوق لعملاء تجاه مصارفهم. وفي هذا المقال سأتحدث عن مسؤوليات وواجبات العملاء تجاه مصارفهم، حيث إن المبادئ صممت بعناية كافية لتوضح حقوق العملاء تجاه المصارف، ولكن في الوقت نفسه لم تهمل أن تتضمن واجباتهم ومسؤولياتهم تجاه مصارفهم، حيث تصبح العلاقة التعاقدية بين المصرف والعميل، علاقة تكاملية تحقق الحماية المنشودة للطرفين.
من أبرز مسؤوليات العملاء تجاه مصارفهم، التي تضمنتها المبادئ سالفة الذكر، أن يكون العميل صادقاً عند تقديم المعلومات، وأن تكون المعلومات كاملة ودقيقة عند تعبئة أي وثائق خاصة بالمصرف. وينبغي على العميل أن يقرأ بدقة المعلومات كافة، التي يقدمها له المصرف ولا يُقبل على شراء أي خدمة أو منتج ما لم يكن على دراية تامة وتفهم لجميع الشروط والتفاصيل المتعلقة به. وينبغي على العميل طرح الأسئلة بشأن أي بند غير واضح أو شرط لم يتأكد منه، هذا إضافة إلى ضرورة الاطلاع على الالتزامات المرتبطة بجميع التعاقدات مع المصرف والتأكد من فهمه لها وقدرته على الالتزام بها. وينبغي على العميل عند تقديم طلب للحصول على المنتج أو الخدمة، الإفصاح عن جميع التزاماته المالية للمصرف مع الجهات كافة، وأن يستند قراره إلى قدرته على الوفاء بالالتزامات المترتبة بعد الحصول على المنتج أو الخدمة.
وقد أكدت المبادئ كذلك على ضرورة إبلاغ العميل للمصرف في حالة اكتشافه عمليات مجهولة نفذت على حسابه، وعلى عدم الإفصاح عن معلومات حسابه تحت أي ظرف، إلى أي طرف آخر. كما قد أكدت المبادئ على ضرورة تحديث المعلومات الشخصية الخاصة بالعميل، بما في ذلك معلومات الاتصال بحيث يكون التحديث بشكل مستمر ومتى ما طلب المصرف ذلك، وسيكون العميل مسؤولاً عن المعلومات التي يتم تزويد المصرف بها.
يذكر أن سلسلة المبادئ سالفة الذكر والمنظمة للعلاقة المصرفية التي تربط بين المصارف وعملائها، استهدفت في المقام الأول تحقيق أقصى درجات الشفافية ومستويات مرتفعة من درجات الإفصاح بالتعاملات المصرفية التي تتم بين العملاء والمصارف بالشكل الذي يسهم بفاعلية في رفع مستوى رضا عملاء المصارف لدى تعاملهم مع مصارفهم، إذ إنه ليس المقصود من إصدار تلك المبادئ أن حقوق عملاء المصارف قبل صدورها كانت غير مصانة وغير محافظ عليها، وبالذات في حالة ثبوت الحق للعملاء، وبالذات أن مؤسسة النقد باعتبارها المُراقب والمُشرف على المؤسسات المالية المُرخصة من قبلها والمُصرح لها بالعمل في السعودية "المصارف وشركات التمويل بما في ذلك شركات التأجير التمويلي والرهن وشركات التأمين وشركات الصرافة وشركات المعلومات الائتمانية"، تضطلع بدور رئيس يتعلق بالرقابة والإشراف على مختلف المنتجات المُقدمة للعميل من المؤسسات المالية التي تُشرف عليها.
وما يؤكد على وجود تلك المبادئ منذ وقت طويل وبالتحديد منذ صدور نظام المؤسسة الأساسي في عام 1952 ونظام مراقبة المصارف في العام 1966، أن المؤسسة كانت تحرص باستمرار ولا تزال على حماية مصالح العميل والتأكد من أن المؤسسات المالية تتعامل مع العميل بطريقة عادلة وصادقة. وقد تزامن التطور التدريجي في دور المؤسسة الإشرافي والرقابي، مع التوسع الذي حصل في أعمال وأنشطة القطاع المالي، حيث على سبيل المثال أصبحت المؤسسة مسؤولة في عام 2005 عن قطاع التأمين، وفي عام 2012 عن مراقبة شركات التمويل والإشراف عليها، مما فرض على المؤسسة التوسع في دورها المرتبط بتعزيز حماية العميل.
إن تأكيد مؤسسة النقد على المصارف التجارية العاملة في السعودية بضرورة الالتزام بتطبيق تلك المبادئ، جاء لينسجم ويتناغم تماماً مع المطالبات والنداءات الدولية بتطبيق أفضل الممارسات الرقابية في مجال التعاملات المالية، حيث إن هناك توجها كبيرا لعدد من دول العالم بمتابعة آلية تطوير المؤسسات المالية للمنتجات والخدمات الجديدة وآلية بيعها إلى العملاء، وتقديم الاستشارة لهم وتعويضهم عند حصول أي مشكلة أو في حال الرغبة في تقديم شكوى، ولا سيما أن العديد من الدراسات قد أثبتت ودلت نتائجها على أن المعاملة العادلة تجاه العميل ستؤدي حتماً إلى زيادة أرباح المؤسسات المالية التي من بينها المصارف، كما أنها ستُسهم في رفع مستوى الرضا، مما يحفز العميل على مضاعفة تعاملاته مع المصرف طالما أنه يشعر بالرضا والطمأنينة تجاه تلك التعاملات ويعتبرها تعاملات عادلة. ومن هذا المنطلق ولتحقيق مبدأ العدالة والشفافية المالية بادرت معظم الدول والهيئات الدولية على مستوى العالم مثل مجموعة العشرين ومجلس الاستقرار المالي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتعديل وإصدار معايير جديدة في مجال حماية العميل.
وبالنسبة للوضع المالي في السعودية فهو لا يختلف عن غيره ببقية دول العالم، وبالذات بتلك الدول التي تشهد نمواً واستقراراً مالياً مماثلاً لما هو واقع الحال بالمملكة، حيث قد فرض الأمر الاستمرار في المحافظة على هذا النمو وذلك الاستقرار بإصدار التعليمات الرقابية المناسبة لتطوير مبادئ حماية العملاء، وبالذات بالنسبة للمملكة التي يشهد فيها القطاع المالي نمواً مطرداً واستقراراً ملحوظاً. ويتوقع لمؤسسة النقد أن تستمر في مراجعة التعليمات الرقابية والإشرافية وإدخال التعديلات المناسبة عليها متى ما دعت الحاجة إلى ذلك، وبما يتواكب من النقلة النوعية التي يشهدها القطاع المصرفي في المملكة، ويتلاءم في الوقت نفسه مع الاستراتيجية الرقابية والإشرافية، ويحقق للمؤسسة الأهداف المنشودة، التي تأتي في مقدمتها وعلى رأسها ضمان حصول العــميل الذي يتعامل مع المصارف والمؤسسات المالية التابعة لإشرافها على معاملة عادلة، وأن يحصل على الخدمات المالية بيسر وسهولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي