رجال مع «المؤسِّس» .. سير غير مدوّنة ومعلومات ناقصة لبعضهم

رجال مع «المؤسِّس» .. سير غير مدوّنة ومعلومات ناقصة لبعضهم
رجال مع «المؤسِّس» .. سير غير مدوّنة ومعلومات ناقصة لبعضهم
رجال مع «المؤسِّس» .. سير غير مدوّنة ومعلومات ناقصة لبعضهم
رجال مع «المؤسِّس» .. سير غير مدوّنة ومعلومات ناقصة لبعضهم
رجال مع «المؤسِّس» .. سير غير مدوّنة ومعلومات ناقصة لبعضهم

في 23 من سبتمبر (الأول من برج الميزان) من كل عام، تمرّ ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية التي أُعلن توحيدها عام 1932م، وبهذا يكون قد مرّ هذا العام على توحيدها ثلاثة وثمانون عاماً هجريّاً (واحد وثمانون عاماً ميلاديّاً) ومضى على وفاة مؤسسها (الملك عبد العزيز) ستون عاماً ميلاديّاً.

#2#

وكان قد جرى تحديد اليوم الوطني ضمن البيان الذي صدر عن القصر الملكي في الرياض معلناً تحويل المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها إلى اسم المملكة العربية السعودية، واختيار يوم الأول من الميزان سنويّاً يوماً لإعلان توحيد البلاد، وربما كان ملمح اختيار الموعد (الأول من برج الميزان الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر) بدلاً من الهجري يعود إلى ثباته في التقويم وبالتالي إلى سهولة معرفة الدول والسفارات به في الداخل والخارج للاحتفال به جرياً على الأعراف الدبلوماسية.

#3#

#4#

#5#

وكانت هذه الدولة المعاصرة التي تُشكّل مساحتها معظم شبه الجزيرة العربية، قد عاشت قبل ذلك التاريخ ومنذ عام 1902م ثلاثة عقود تخلّلتها تحرّكات عسكرية ومناورات سياسيّة ومخاضات اجتماعية، تُعدّ بمثابة فترة تحضيرية لتأسيس الكيان الجديد، كما كانت الإمارة السعودية في قلب الجزيرة (الدرعية) قد مرّت قبل ذلك بمرحلتين سابقتين أُطلق عليهما عُرفاً الدولة الأولى والدولة الثانية، دامت كل واحدة منهما نحو سبعين عاماً ووصلت حدودها غرباً إلى الحجاز، وجنوباً إلى أطراف حضرموت، وشرقاً إلى ساحل عُمان، وشمالاً إلى نواحي بلاد الشام والعراق، وقد انتهت الدولة الأولى بغزوٍ تركي بينما تفكّكت الثانية بعوامل داخلية وخارجية.

وتهدف هذه المشاركة إلى التعريف بأبرز السياسيين الروّاد الذين عاصروا قيام الدولة وتأسيسها وعملوا في عهد الملك عبد العزيز، ولم تدوّن سير بعضهم ولا توجد معلومات كافية عن حياتهم، وعن دورهم في العمل السياسي والدبلوماسي.

إن مصطلح العمل السياسي هو تعبير يشمل ضمن ما يشمل الاشتغال بالعلاقات الخارجية الرسمية مع الدول من خلال القنوات الدبلوماسية، ويتضمّن ذلك العمل في الديوان الملكي والشعبة السياسية ومجلس المستشارين ووزارة الخارجية وفي السفارات والمفوّضيات والقنصليّات والممثليّات والمندوبيّات السعودية في الخارج، كما يشمل المبعوثين والوكلاء ووفود المفاوضات السياسية لاتفاقيات الحدود وحسن الجوار والمصالح المشتركة وتبادل الاعتراف والتمثيل الدبلوماسي.

أما بالنسبة للإطار الزمني للموضوع، فيقتصر على عهد الملك عبد العزيز، الذي استمر كما سلف 53 عاماً منذ استعادة العاصمة الرياض عام 1902 م، ويشمل المرحلة المبكرة لتوحيد أقاليم البلاد انتهاءً بانضمام الحجاز سنة 1925 م، كما يشمل فترة تكوين المؤسسات الدستورية الثلاث؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحقبة الاستقرار السياسي بعد إطلاق اسم المملكة العربية السعودية سنة 1932 م وحتى وفاته عام 1953م.

ومن المعروف أن الألقاب السياسية التي حملها المؤسس بدأت بلقب الإمام، وعندما تمّ له توحيد بعض أنحاء نجد صار لقبه والي أو أمير نجد ورئيس عشائرها، وبعد مؤتمر الرياض الذي انعقد عام 1921 م صار يطلق عليه لقب سلطان نجد وملحقاتها، وفي عام 1925 م بايعه أهل الحجاز ملكاً فأصبح لقبه ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، ثم تطوّر اللقب بعد نحو عامين، إلى ملك الحجاز ونجد وملحقاتها وذلك عندما بايعه أهل نجد ملكاً، واستقر لقبه فيما بعد ملك المملكة العربية السعودية بعد إعلان توحيدها (1932 م).

ومن بين العديد من الأسماء التي لا يتّسع المقام للحديث عنها، تمّ اصطفاء نخبة من الشخصيّات من سائر أنحاء السعودية والوطن العربي التي عملت معه في المجال السياسي، تختلف بتنوّع الوظائف والمسؤوليات والمواقع التي تقلّدوها في الداخل والخارج، ومنهم موظفو الديوان الملكي - بمن فيهم منسوبو الشعبة السياسية ومجلس المستشارين - ومنسوبو ديوان وزارة الخارجية والسفراء والقناصل والوزراء المفوّضون والمُعتمدون والمندوبون والوكلاء والمبعوثون ... إلخ.

وفيما استبعدت هذه الورقة الحديث عن مجلس الشورى القديم ورجالاته ومجلس الوكلاء وأعضائه، واستبعدت رجالاً كان لهم دور إداري أو مالي بارز في مرحلة تأسيس الدولة (مثل ابن سليمان وشلهوب) لأن تأثيرهم في المجال السياسي لا ينسجم مع المقصود بالعنوان، واستبعدت آخرين ظهروا في البداية على المشهد الإداري (مثل رشاد فرعون) ثم التحقوا بعد انتهاء عهد الملك عبد العزيز بالعمل السياسي، فإنها كذلك استبعدت المترجمين والإعلاميين (من أمثال عبد الله بلخير وعلي النفيسي وأحمد عبد الجبار) وأسماء رجال (مثل فيلبي ومحمد أسد والريحاني) كانوا في أثناء عهد المؤسس قريبين من صنع القرار السياسي لكنهم لم يُسجّلوا رسميّاً ضمن الطاقم السياسي نفسه.

كان أول مرتكزات التنمية السياسية وأدواتها التي وظّفها الملك توظيفاً ماهراً في حكمه، هو اصطفاء الكفاءات البشرية ذات الخبرة والثقافة وأرباب القلم من أبناء أسرته، ومن رجالات قومه في كل إقليم يضمّه تباعاً تحت لوائه، ومن أبناء الأسر السعودية المهاجرة، فأشركهم فـي ديوانه وفي الإدارة وفي البعثات الدبلوماسية وفي التعليم والإعلام والتوعية الدينية، وفي مجلس الشورى، فشخصيات مثل الأمير أحمد الثنيان وعبد الله السليمان وعبد الله الفضل وإبراهيم المعمّر وهاشم الرفاعي وعبد العزيز العتيقي ورشيد بن ليلى وعبد العزيز بن زيد وطاهر الدباغ والطيب الهزازي وفوزان السابق ومحمد المانع (المترجم) وعبد العزيز وعبد الرحمن القصيبي وعبد العزيز الصقير وعبد الله علي رضا وصالح العذل وعبد اللطيف المنديل وغيرهم، كانوا ممن تعلموا في مصر أو العراق أو تركيا أو الهند، يدنيهم للعمل في ديوانه أو يضمهم إلى حلقة مستشاريه، أو يبعثهم رسلاً له أو يستبقيهم وكلاء له في الخارج، أو يُعيّنهم مفوّضين وسفراء أو أمراء للمناطق.

لقد استطاع بحذق، أن يوجد البيئة الاجتماعية الصالحة والمناخ الملائم لتنفيذ مشروعه الإصلاحي، ولغرس بذور التنمية السياسية المتطورة، فهو قبل أن يهتم بالغرس والزراعة أوجد التربة والمناخ، تمثل ذلك في تثبيت الأساس الديني للدولة الجديدة، وصهر الفوارق الإقليمية، وتكريس الوحدة الوطنية، وتوطين البادية، وإقامة دولة الأمن، والقضاء على الفتن، وتآخي القبائل المتناحرة، ونجح بتفوّق فيما سبق لتوافر عناصر القيادة في شخصيته، ولمعرفته العميقة بشرائح المجتمع وطوائفه وباديته وفئاته، ولأنه تعلم دروس التاريخ من معايشة واقع الهجرة والشتات في مقتبل عمره.

أما الركيزة الثانية في عملية التنمية السياسية، فاتضحت معالمها بُعيد انفتاح البوابة الشرقية (الأحساء والقطيف والجبيل والعقير) ثم البوّابتين الغربية والجنوبية (الحجاز وعسير) وتمثلت في تشكيل نواةٍ متكاملة المقوّمات للديوان السلطاني، حوّلت العمل من الأساليب التقليدية في الاتصالات الإدارية إلى نماذج حديثة تتمشى مع واقع الانفتاح على العالم السياسي الجديد للتخاطب مع بريطانيا وتركيا وغيرهما، مع المحافظة في الوقت نفسه على تقاليد الملك في فتح الباب وفي التعبير والمخاطبات والفكر السياسي.

استقطب من أجل ذلك عناصر ساعدت في هذا التحديث من ذوي الحصيلة المعرفية واللغات والخبرة السياسية، ممن كانوا على معرفة به في أثناء مكوثه في الكويت أو ممن كانوا يعملون مع الأتراك في إدارة إقليمي الأحساء والقطيف، أو ممن كانت لهم خبرة في المملكة الهاشمية في الحجاز، وكان من ثمار تكوين الديوان السلطاني تأسيس'' المختبر'' السياسي المنظّم الذي كانت الشعبة السياسية ومجلس المستشارين وديوان البرقيات أبرز أعمدته وخرّج العشرات من كبار السياسيين.

تأسست الشعبة السياسية في الديوان الملكي في أواخر العشرينيات وليدة الحاجة إلى جهاز يساعد فـي التعامل مع بحر من الوثائق والمراسلات والاتفاقيات، وصارت بمثابة'' وزارة خارجية'' مصغّرة متنقّلة معه، تقدّم الإسناد الإداري والفني والفهرسة لمجلس المستشارين، ثم قامت إلى جانبها فيما بعد وحدة لمتابعة الأخبار ورصد ما ينشر في الصحف الخارجية وتلقّي ما يرد من تقارير إعلامية.

وكان مجلس المستشارين وهو أحد ابتكاراته الإدارية، مجلساً حقيقياً يضمّ كل مَن اكتسب هذه الصفة ممن استقطبهم من نخبة من السعوديين والعراقيين والليبيين والمصريين والسوريين والفلسطينيين واللبنانيين وهم على سبيل المثال: الأمير عبد الله بن عبد الرحمن والأمير أحمد الثنيّان وعبد الله الدملوجي وإبراهيم المعمّر وخالد السديري وحمزة غوث ويوسف ياسين وحافظ وهبة ورشدي ملحس وفؤاد حمزة وخالد الحكيم وخالد القرقني ورشيد عالي الكيلاني وبشير السعداوي وغيرهم، وكان الملك يلتقيهم مرتين يومياً وربما زارهم في مجلسهم المجاور لمجلسه يستشيرهم ويناقشهم ثم يقرر ما يراه، وقد لازمه هذا المجلس طيلة فترة حكمه.

كانت الأمور الإدارية تسير ببدايات بسيطة، ثم بدأ التنظيم الحديث لمكتب الملك وما يحيط به - مثل التشريفات - يتبلور بعد انضمام الحجاز مستفيداً من تنظيمات سابقة في مكة المكرمة ومتزامناً مع البدء بتشكيل السلطات الدستورية الثلاث (القضائية والتنظيمية والتنفيذية) وكان اسم ديوان الملك يتغيّر تبعاً لألقابه السياسية، فاكتسب في البداية اسم ''الديوان السلطاني'' عندما كان عبد العزيز سلطان نجد وملك الحجاز، ثم تغيّر اسمه إلى الديوان الملكي بعد أن أصبح لقبه ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، ولعل أول من تولّى المسؤولية فيه هو الطيّب الهزّازي عام 1925 م وقد نشرت جريدة ''أم القرى'' (العدد 87 في أغسطس 1926م) خبراً يفيد بمغادرته بوصفه ''رئيس الديوان الملكي'' للعلاج في مصر وتكليف إبراهيم المعمّر بالعمل مكانه، وقد انضمّ الهزّازي بعد تعافيه إلى عضويّة مجلس الشورى عام 1930م، وتوفي عام 1934م.

إبراهيم المعمر

أما إبراهيم المعمّر الذي نفصل في سيرته نموذجاً لبواكير الساسة السعوديين، فهو من مواليد الكويت في حدود عام 1878م، ثم سافر إلى الهند لدراسة الإنجليزية والأردية والفارسية ولممارسة التجارة، كما تردد على أوروبا وبعض الدول العربية والآسيوية والإفريقية، وهو أمر تميّز به المعمّر على بعض أقرانه في زمنه، ثم استقر في مصر بضع سنوات عاد بعدها إلى الرياض (1926م) حيث دخل في الخدمة العامة، وقد توفي مستشفياً في بيروت عام 1958 م عن عمر يناهز الثمانين.

وكان المعمّر أديباً وشاعراً كتب في جريدة ''المقطّم'' المصرية، و من أبرز ما عرف من كتاباته في الصحف السعودية مقالان نشرهما عام 1926 م في جريدة ''أم القرى'' واصفاً الرحلة الأولى للملك عبد العزيز من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، كما نشر أبياتاً شعرية وصف فيها تلك الرحلة في الجريدة نفسها، ومن يقرأ رسائل المعمّر وكتاباته يلحظ أنه كان يغرف من خبرة واسعة بأحوال الجزيرة العربية ومن معرفة بمجتمعها وأهله، وأنه كان ذا أسلوب حديث لا تظهر فيه الجُمل الكلاسيكية المألوفة في مراسلات زمنه، مما يدل على عصريّة ثقافته وانفتاح فكره حتى لكأنها كتبت في هذه الأيام.

ذكر فيلبي الذي التقاه في زيارته الأولى للجزيرة العربية عام 1917م أن للمعمّر إلماماً بالمعارف الغربية وأنه التحق بالعمل السياسي منذ سنوات مما يرجح أنه ـ أي المعمّر ـ قد بدأ في حدود عام 1912م أو 1913م، ويفهم من الوثائق المتوافرة السعودية والعربية والأجنبية، أنه قد انضم إلى فريق المستشارين السياسيين الأوائل حول الملك عبد العزيز من جيل الأمير أحمد الثنيان وعبد الله الدملوجي، وألمحت بعض تلك الوثائق إلى أنه كان سكرتيراً في الديوان الملكي مكلفاً بملف الاستخبارات السياسية الخارجية، وأنه قام برحلات إلى أوروبا وبعض البلاد العربية مبعوثاً من الملك عبد العزيز، إلا أنه لا تتوافر معلومات كافية عن المهام التي كلّف بها والجهات التي اتصل بها، لكنه استقر في نهاية المطاف في مصر ليكمل الدور الإعلامي الذي قامت به شخصيات عربية من أمثال الشيخ محمد رشيد رضا وأمين سعيد في توضيح حقيقة أهداف الحكم السعودي الجديد في الحجاز (1925م) والرد على الدعايات المناهضة له، ولو تمّ الاطلاع على ما كان قد كتبه في صحافة مصر وتحليل مضامينها لربما وضّحت الصورة الذهنية القاصرة حتى الآن عن شخصيته وسيرته.

كتب المعمّر في أعقاب دخول الحجاز في الحكم السعودي عام 1925 م رسائل إلى الملك عبد العزيز وإلى والده الإمام عبد الرحمن، يهنئهما فيها باكتمال توحيد أجزاء البلاد وكان يزوّدهما بالجديد من الكتب والمطبوعات العربية، وكان حينما رجع من مصر استمرّ في عمله سكرتيراً مقرّباً من الملك عبد العزيز قبل تعيينه رئيساً لديوانه، وذلك بدليل ما نسبه إليه الصحافي الألماني (ولفجانج فون) الذي زار المملكة عام 1927م.

أما الجزء الأهم في مسيرته، فبدأ بعد عام 1926م بعد تثبيته رئيساً للديوان الملكي، ويذكر له في تلك الفترة مرافقته الأمير فيصل في رحلته الثانية إلى أوروبا عام 1926م التي انضم إليها كل من عبد الله الدملوجي (مدير الشؤون الخارجية حينئذٍ) وعبد الله الفضل (التاجر آنذاك) وعبد الله موصلي (قائد شرطة جدة) كما يذكر للمعمّر في تلك المرحلة ـ موفداً من قبل الملك عبد العزيز ـ اجتماعه في الكويت بوزير الخارجية العراقي (ناجي شوكت) للتمهيد لعقد المؤتمر الذي التأم على الطرّاد البحري (لوبين) عام 1930 م بين الملك عبد العزيز والملك فيصل بن الحسين ملك العراق بمشاركة المندوب السامي البريطاني وأسفر عن توقيع اتفاقية صداقة وحسن جوار بين البلدين (أبريل 1931م).

وكان المعمّر قد حضر المعركة الحربية الفاصلة (السبلة) التي وقعت مع الإخوان عام 1928 م، وذكر محمد المانع في كتابه: توحيد المملكة العربية السعودية أن المعمّر رأس مفرزة الرشاشات والمدافع التي كان لها دور حاسم في المعركة، وتذكر بعض المراجع أن الملك عبد العزيز قد كلّف المعمر بمهمة إحضار فيصل الدويش شيخ مطير ومرافقته عندما أعاده الإنجليز على متن طائرة أنزلته في''خباري وضحى'' قرب الكويت حيث مخيم الملك عام 1929م، وقد انتهت هذه المرحلة بتعيين المعمّر وزيراً مفوضاً للسعودية لدى العراق يونيو 1933م) بعد فترة وجيزة من افتتاح المفوضية، وقد أشرف المعمر خلال عمله في بغداد على تنظيم الزيارة الأولى التي قام بها ولي العهد الأمير سعود عام 1936م، ويذكر له في تلك الفترة تفكيره في عدم مناسبة تنكيس العلم السعودي على هامش الحداد العام على وفاة ملك العراق فيصل الأول عام 1933م، وهو تقليد تبنّته الحكومة السعودية بعد ذلك التاريخ احتراماً لكلمة التوحيد التي يحملها العلم، وقد أدى احتجاج الإنجليز على ترويج المعمّر لزعامة الملك عبد العزيز في الجزيرة العربية وعلى صلاته القوية مع رؤساء العشائر إلى نقله من بغداد بعد خمس سنوات من العمل الدبلوماسي وتعيينه قائم مقام جدة (1937م) وهو منصب معروف منذ الحكم العثماني في الحجاز، وخلال تولّيه عمله هذا، كلِّف حيناً بعمل وكيل وزارة الخارجية (بالنيابة عن فؤاد حمزة الذي تغيّب لأسباب صحية في 3 مارس 1938م) ووردت في الوثائق البريطانية والفرنسية مخاطبات بتوقيعه ومنها خطابه الموجّه بتاريخ 17 أبريل 1938 م إلى السفير الفـرنسي في جدة، يعبّر فيه عن شكر وزير الخارجية (الأمير فيصل) بمناسبة وصول طائرة فرنسية مهداة إلى الملك عبد العزيز، وكان من المهام التي قام بها ترتيب زيارة ملك أفغانستان محمد ظاهر شاه إلى السعودية عام 1949م.

عبد الله بن عثمان

خلف المعمّر في رئاسة الديوان الملكي في حدود عام 1932 م عبد الله بن عبد العزيز بن عثمان وهو من أُسر الرياض المعروفة، وكان شخصيّة خفيض الجناح والأضواء، عُرف بالهدوء والسّمت ورجاحة العقل والتصرّف والكفاية الإدارية، وارتبط اسمه بالديوان الملكي حتى قبيل نهاية عهد الملك سعود.

''ابن عثمان'' كما كان يُعرف هو من مواليد الكويت عام 1908 م تقريباً وقد عاش طفولته بين الكويت ونجد، واصطحبه والده إلى حائل في حدود عام 1921 م، ثم عاد الابن إلى الكويت ومارس مهنة الغوص لاستخراج اللؤلؤ، لكنه واصل تعليمه الحديث على غرار ما فعله عدد من أبناء نجد الذين نزحوا إلى بلدان الخليج والعراق والهند لطلب العلم أو التجارة أو لكليهما، كما امتاز بجمال الخط وحسن تنظيم الأوراق والأضابير، فكان في مقدمة من نالوا قسطاً وافراً من التعليم الحديث - المفقود في نجد آنذاك - الذين اختارهم ممثلو الملك عبد العزيز في البحرين والكويت وجنوب العراق والهند وبلاد الشام للعمل في مكتبه، وقد ورد اسم ابن عثمان مراراً في الكتب التي تناولت سيرة الملك عبد العزيز وتوحيد المملكة والتشكيلات الإدارية للدولة والديوان الملكي بخاصة، ويمكن تتبّع نماذج من آثاره الإدارية والتنظيمية من خلال الوثائق والمراسلات والمعاملات والمخطوطات المحفوظة في مركز الوثائق والمعلومات وفي الشعبة السياسية في الديوان الملكي ودارة الملك عبد العزيز ومعهد الإدارة العامة في الرياض، التي تظهر عليها توقيعاته وبصماته، وكان من قدامى رجالات الدولة كاتمي الأسرار الذين رحلوا والمعلومات مكنونة في صدورهم، وتوفي في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض في شهر ديسمبر عام 1987م عن ثمانين عاماً.

ابن دغيثر

من الشخصيّات البارزة التي كان لها باع في العمل الإداري الممتزج بالعمل السياسي، محمد بن عبد العزيز بن دغيثر من الأسرة المعروفة في الرياض، درس فترة في الزبير ثم قدم إلى الرياض بواسطة وكيل الملك عبد العزيز في الكويت عبد الله النفيسي، فعيّن في الديوان الملكي عام 1926 م وفي عام 1928 م تولّى الإشراف على أجهزة البرق والاتصالات في الديوان الملكي، فكان ينقل الأخبار إلى الملك أولاً بأول، ويتلقّى أوامره وتعليماته المرسلة إلى مختلف المناطق والممثليّات في الخارج لإرسالها بالمبرقات.

و من أبرز الكتبة الذين عملوا في الديوان السلطاني في وقت مبكر، وكان لهم دور سياسي فاعل هو السيد هاشم الرفاعي المولود في الكويت عام 1885م، كان لبّى دعوةً من السلطان عبد العزيز لمقابلته في القطيف والالتحاق به كاتباً في ديوانه، وكانت المعرفة بينهما بدأت في الأساس من الكويت بين والديهما؛ الإمام عبد الرحمن وأحمد الرفاعي، ويتذكّر هاشم زيارته برفقة والده لديوانية الإمام عبد الرحمن في الكويت، وقد درس الشاب هاشم مع الأمير اليافع عبد العزيز في كتّاب واحد، ثم واصل دراسته في بغداد، وبعد نحو عقدين استقطبه عبد الله حمد النفيسي وكيل السلطان في الكويت، للعمل ضمن منظومة موظفي ديوان عبد العزيز في أواخر عام 1921م، ولا يزال العديد من أسرته (الرفاعية) يعيشون في الكويت وهم في الأصل من السادة الحسينية (الأشراف) المقيمين في العراق، ومن هنا جاء له شعبيّاً لقب (السيّد)، أما والدته فإنها من أسرة العبد الرزّاق الكويتية المعروفة ذات الأصول النجدية.

* أُلقيت في محافظة المجمعة (الأحد 29 سبتمبر 2013 م) بمناسبة اليوم الوطني السعودي.

الأكثر قراءة