كيف نربّي أبناءنا .. ماليا؟
وتستمر الشكوى، راتبنا لا يكفي، هكذا تقول الشكوى المستمرة؟ والأسعار ارتفعت، واختل ميزان المعيشة بين الخارج للمصرف والداخل من الراتب للميزانية العائلية، وصولاً إلى المجتمعية، والتقارير ترصد ارتفاع موجة الغلاء بشكل طردي منذ 30 عاما، فما تشتريه اليوم من حاجة بمبلغ ما، كنت في ذلك الوقت تشتري أربعة أو خمسة أضعاف الحاجة نفسها بالمبلغ نفسه، إذن هل هي مناسبة لندب الحظ، أم التاجر، أم السوق، أو العولمة، أم النفس؟
وهل الحل أن تقوم الحكومة بزيادة الرواتب، وإلى متى؟ أو هل يجب أن يقوم التجار بتخفيض الأسعار؟ وإلى متى، أو هل يجب فرض ضريبة على ملاك الأراضي؟ أيضاً، إلى متى؟ وماذا عنا نحن المستهلكين، هل سنبقى ضائعين في دوامة هذه الحال، نجلس نندب ونشكو حظنا، أيضاً .. إلى متى؟
ربما يجدر بنا -قدر تعلق الأمر بنا- أن تكون لنا كلمة أيضاً، لكن كلمة لها باع طويل تبدأ مع أبنائنا، وتعوض ما فات من أمرنا في هذا المجال، فالتربية المالية للأبناء ضرورية، وهي التي تحدد مسار الإنسان في المستقبل وتوجه دفته نحو الاستقرار المادي أو الضياع المالي، فعندما يعيش أبناؤنا داخل فقاعة وهمية تقول: إن الحياة سهلة جداً وإنها مجرد وضع بطاقة لدائنيه يستطيع أن يشتري بها ما شاء متى شاء، فهنا المشكلة.
فحين نربي أبناءنا على هذا يجب أن نربي أنفسنا أولاً، هناك في علم التسويق مصطلحان مهمان جداً want & Need ما ترغب فيه وما تحتاج إليه، فإذا استطعنا أن نفرق بين الحاجة والرغبة حللنا معظم المشكلة، فأنت -على سبيل المثل- عندما تذهب إلى عملك تحتاج إلى وسيلة نقل، هذه هي الحاجة، ولكن نوعية وسيلة النقل تختلف، فمن الممكن أن تذهب عن طريق حافلة أو سيارة فاخرة جداً، أو لا، مثال آخر في السفر على الطائرة، فالكثير يرغب أن يكون في الدرجة الأولى دون ضرورة لذلك، مع أن الكل سيصل في النهاية وبجميع الدرجات، ولكي تعرف الوقت يمكنك أن تشتري ساعة من 1000 إلى 500 ألف ريال، مع أن الوقت واحد في الساعتين، وهناك تبرز الحاجة والرغبة، والأمثلة كثيرة.
إذا أردت أن تقيم نفسك لا بد أن تسيطر على رغباتك، قارن نفسك بمن هم حولك من مستوى دخلك نفسه لتعرف الفرق بين الرغبة والحاجة أكثر، وما يمكن أن تؤدي إليه، لنقل إن دخل موظف ما الشهري خمسة آلاف ريال ولديه سيارة قيمتها 250 ألف ريال، وآخر له الدخل نفسه لكنه يملك سيارة قيمتها 70 ألف ريال، فهنا واضح أن الأول لا يسيطر على رغباته وغالباً أن لديه ديونا استهلاكية كبيرة جداً، وقس على ذلك في أمور الحياة قاطبة التي تشمل اختيار المطاعم ووجهات الإجازات وغيرها الكثير الكثير.
إذا الخطوة الأولى أنه ليس كل ما نرغب فيه لا بد أن نحصل عليه، فهذا سلوك الأطفال بعينه، إذ إنه يريد أي حاجة يراها، بل يبكي للحصول عليها، ويحرجك أمام الناس لتشتري له ما يريد، وعندما يصبح بعمر 20 عاماً سيفعل العمل نفسه، ويحرجك أمام الناس لتشتري له سيارة، عليه أن يتعلم منك -قولاً وعملاً- أن ليس كل ما يرغب فيه يحصل عليه.
الخطوة الثانية، يجب أن يتعلم ولدك الفرق بين الحاجة والرغبة، فكلما كنت واضحاً مع ابنك في الصغر، أعنته على أن يفهم الواقع، ويخرج من هذه الفقاعة الوهمية التي يضع أغلب الناس أبناءهم فيها من باب الحب والخوف والشفقة بهم وعليهم.
الخطوة الثالثة، علم ولدك التوفير، وادعمه كلما وفر مبلغاً ما وزد عليه، فلو وفر عشرة ريالات في الشهر أعطه مكافأة ريالاً واحداً، حيث لا تزيد على 10 في المائة، وكلما كبر المبلغ قلت المكافأة، فهنا أنت تشرح لولدك مبدأ الادخار في البنوك ونسبة المرابحة على الودائع.
لنخرج أبناءنا من الفقاعة التي يعيشون فيها، ونكون أكثر واقعية معهم، لنضمن واقعنا ومستقبلنا، ونعيش حياتنا باستقرار ورضا وقناعة.
في المقال القادم - إن شاء الله - سنضيف خطوات أخرى.